يحدثُ أن تدير مقود سيارتك ، وتأخذُ بلجامها وتتوجه حيث قلبك يقودك كالبوصلة شمالا .. تتركُ مدينتك التي كبرت وهرمت سريعا ، وما زالت القرية التي تركناها في قلوبنا منذ زمن ، وما زلنا نبحث عنها ..
تصعدُ نحو بلعما لكن ليس " ناحرن صروت " ويبكي قلبك مروج القمح التي كانت هنا، فأستبدلوها بالإسمنت والمخازن التجارية .. وقتلوها عندما قضمت شوارع الإسفلت ما تبقى من هدوء القرى ... تتأملُ موارسها التي ذهب زارعيها ، فمنهم من غاب تحت التراب وبقية ينتظرون الموت في الفراش كل يوم ، تعتاشُ ذاكرتهم على حكايا الخير والبركة والقهوة والفروسية.
يلّفح وجهك نسمة باردة تصادفك وأنت ترتقي "رحاب " ، وغيم شباط يتكئ على جبالها ويقترب من سهولها .. مزارع محاطة بأوتاد وشيك ، وبيوت ريفية يعتليها قرميد كئيب يأتي أصحابها لزيارتها كل جمعة كأم يتيمة .. لم يزداد شجر الزيتون شجرة واحدة منذ أن زرعها الآباء ، وإنما يبسَ بعضها وأصبح حطبا جاهزا لموقد بيت المزرعة .
حتى سيارتي تعبتْ ولهثتْ وهي تصعد ونحن نبحث عن الربيع ، فهو لم يزل يطلّ بخجل .. الناس تتكدس بجانب بعضها فرارا من الشقق وهوائها المكتوم ..
ذهبنا نبحثُ عن الشمس ، لكن شمس الشتاء خادعة ، تأتي حين غرة .. ربما تظهر دافئة ناعمة وسرعان ما تهرب أمام البرد والمطر .. ربما تخدع الصبايا "شمس اللوز" لأنها تجعل "الصبية عجوز" .. فحذاري منها.