نعم لـ "حكومة إنقاذ وطني"
عريب الرنتاوي
22-02-2017 12:09 PM
من بين كافة الشعارات التي رددها المتظاهرون الغاضبون في الكرك، استوقفني شعار "نحو حكومة إنقاذ وطني"، أفترض أن المتظاهرين يتوقعون منها العمل على إنفاذ بقية الشعارات التي رددتها حناجرهم واستبطنتها كلمات المتحدثين أمام الجمهور الحاشد الذي أمّ المدينة، والتي تدور في معظمها حول محاربة الفساد ووقف الاعتداء على جيوب المواطنين ولقمة عيشهم، وتدعو للمحاسبة والمساءلة والشفافية واستكمال مسارات الإصلاح المتعددة.
في ظني أن هذا الشعار، يستحق وقفة تأمل وتفكير، للإجابة على ما يستبطنه من أسئلة وتساؤلات: هل نحن فعلاً بحاجة لحكومة إنقاذ وطني؟ وما الذي تعنيه حكومة كهذه؟ وبم تختلف عن الحكومة الحالية وغيرها من حكومات سبقتها، تشكلت بنفس الطريقة ومن ذات المصادر والدوائر؟ ... وأي برنامج سياسي – اقتصادي – اجتماعي يتعين عليها العمل على إنفاذه لتكون حكومة مستحقة لاسمها بجدارة: حكومة إنقاذ وطني؟
من دون تردد أو تلعثم، أضم صوتي لأصوات المتظاهرين في "كرك الهيّة"، فنحن بحاجة لحكومة إنقاذ وطني ... وأعني بحكومة الإنقاذ، حكومة "سياسية بامتياز"، يتكون عمودها الفقري، رئيساً ووزراء سيادة، من شخصيات سياسية – تمثيلية وازنة، وأفضل أن تشارك فيها أحزابٌ سياسية وازنة كذلك... حكومة تضع حداً لمرحلة مديدة من حكومات التكنوقراط و"الخبراء"، من دون أن تخلو منهم، أقله في الوزارات الفنية.
طوال ما يقرب من عقدين، شغلت فئتان أرفع المناصب في الدولة الأردنية، رسمياً أو من خلف ستار: التكنوقراط والأمن ... وعلى أهمية هاتين الفئتين وحيوية الأدوار التي تضطلعان بها، إلا أن الدول لا تُقاد بالأمن ولا بالتكنوقراط ... الدول تقاد بالسياسة والسياسيين "الرؤيويين"، فهؤلاء، وهؤلاء وحدهم، يمتلكون "حيثية" تمثيلية، وهؤلاء، وهؤلاء وحدهم، من بمقدورهم أن يشكلوا "مصدات" عن النظام، تمتص طاقات الغضب وتستوعب الاحتجاج، وتجسر بين الجمهور العريض والدولة.
هؤلاء، وهؤلاء وحدهم، يمتلكون لغة للحوار والتفاعل والتخاطب مع الجمهور، مما افتقرنا إليه وغاب عن حياتنا الوطنية العامة لسنوات طوال ... وتشتد الحاجة لهؤلاء، وهؤلاء وحدهم، في ظروف كالتي نعيش، وتتميز بتفشي مظاهر الغضب والإحباط، وتفاقم احتمالات فقدان السيطرة والتحكم ... هؤلاء يستطيعون بما يتوفرون عليه من صدقية ونظافة كف ولسان وسريرة، أن يضطلعوا بأدوار تاريخية تمكن الأردن من حفظ منجزاته، والبناء عليها، وتحويل التحديات إلى فرص.
حكومة انقاذ وطني، من شخصيات سياسية نظيفة وذات صدقية في أوساط مجتمعاتها، مطعمة بخبراء وتكنوقراط وأمنيين، هي ما نحتاجه في هذه المرحلة بالذات ... حكومة لها، رئيساً وطاقماً، قواعد اجتماعية، يمكن البناء فوقها والتعويل عليها، طالما أننا ما زلنا بعيدين – عن سبق الإصرار والترصد – عن خوض غمار الحكومات البرلمانية العتيدة، التي كلما تراءى لنا أنها قريبة، كلما بدت أبعد منالاً.
حكومة إنقاذ وطني، تتوفر على "حساسية اجتماعية" عالية، تمكنها من مقاومة شروط "صندوق النقد الدولي" المُنهكة والمُهلكة ... حكومة قوية، قادرة على التصدي لملف "محاربة الفساد" وإنفاذ سيادة القانون واستعادة هيبة الدولة، من دون اللجوء إلى القوة الخشنة المفرطة، حكومة لن يضيرها التوسع في هوامش حرية الرأي والتعبير والاجتماع والتنظيم ... حكومة قادرة على استرداد "الولاية العامة" وممارستها من دون الاضطرار للسير وسط حقول الألغام ومراكز القوى.
حكومة انقاذ وطني – تمثيلية، يجد فيها الأردنيون، معظم الأردنيين إن لم نقل جميعهم، أنها تمثلهم ... تبدأ باستعادة ثقة المواطن بمؤسساته، وتضع على جدول أعمالها تسريع برامج الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، جبناً إلى جنب مع المضي في برامج التصحيح الاقتصادي المراعية لأبعادها الاجتماعية، وتقود البلاد والعباد في حرب لا هوادة فيها ضد كافة مظاهر والاختلال في أداء أجهزة الدولة ومؤسساتها، وفي التصدي لظواهر التطرف والغلو والعنف التي اجتاحت مجتمعنا خلال الأعوام الماضية.
وهي بحكم طبيعتها، انتقالية، تمهد لإصلاح جملة التشريعات الناظمة للعمل العام، وفي صدارتها قانون الانتخاب، وتشرف على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لتأتي ببرلمان على صورتها وشاكلتها، برلمان سياسي – حزبي – وطني بامتياز، قادر على الاضطلاع بمهام ولايته الدستورية، وقادر على أن يكون رافعة للحل لا أن يبقى جزءاً من المشكلة.
نعم لحكومة إنقاذ وطني، موسعة وسياسية، تُطلق ورشة حوار وطني شامل، حول مختلف عناوين وموضوعات أجندة العمل الوطني الأردني، وتؤمن بأن الحلول لأزماتنا المتراكبة، لن يكون على حساب الناس، بل مع الناس وبمشاركتهم وبقرارهم الحر والطوعي، الواعي لكل الظروف المحيطة بالبلاد، من داخلها ومن حولها.
لم تكن أحداث الكرك الاحتجاجية قد انطلقت ونحن نكتب بالأمس "رسالة إلى من يهمه الأمر"، نحذر فيها من غضب الأردنيين وإحباطهم... لكن ما حصل في الكرك، هو الرسالة الأبلغ التي يتعين على الجميع قراءتها بكل تمعن، ليس لأن الحدث كبير وفي مدينة كبيرة فحسب، بل لأنه "بروفة" لما يمكن أن يحدث في بقية المدن الأردنية، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غدٍ، إن استمر الحال على هذا المنوال.