سوزان تميم ضحية الواقع الذي يداهمنا
05-11-2008 02:00 AM
لم يكن مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم ليمر دون التوقف عند هذا الحدث ولو لبرهة ، واستقراءه بشكل فلسفي عميق ، يكشف واقعية الشخصية العربية ، وازمة الانحسار الوجداني والاخلاقي ، الذي اخذ يعتري هذه الشخصية ، ويعريها من بواقي مضامينها الملازمة ، وقيمها المتوارثة عبر السنين والعصور.
ان استقراء حادثة القتل هذه لم ياتي بسبب ماتمثله القتلية ( مع الاعتذار لمشاعر ذويها ) من قيمة فنية او شعبية ، بقدر ما تمثله الحادثة بحد ذاتها من انفلات القيم ، وتغير المعايير الناظمة للاعراف والتقاليد والاخلاق ، وتواضع التعاطي الاخلاقي والقيمي ، مابين المتسيدين لمسرح الرمزية الشعبية والمجتمعية ، تلك المفترض تقلدها قيادة الوعي الاجتماعي والوجدان الشعبي ، سواء على المستوى الفني او الاقتصادي او الاجتماعي .
لم تكن القتيلة ، سوى ضحية من ضحايا تغول الواقع الشرس لراس المال المنسلخ عن وجدانه الشعبي ، والفاقد لوظيفته الاجتماعية التنموية ، والتي من المفترض ان يقود بها المجتمع نحو النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية الشاملة ، وذلك بعكس ما نجده من اقتصار هذه الرفاهية على شريحة او طبقة معينة ، من المهووسين برؤوس اموالهم .
تلك الطبقة التي استاثرت بالرفاهية المنفلته من عقالها ، وتشامخت بالاستقواء على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية المقهورة ، واخذت بتوظيف المال في سبيل الارتهان لاقصى رغبات النفس الامارة بالسوء ، و اعتلاء مراكب نزاوتها العابرة للقارات .
ان الاحداث والتفاصيل التي بدات تظهر شيئا فشيئا حول الواقعة ، تنبئنا بحجم الكارثة الاخلاقية التي تداهمنا ، ورهبة الواقع المرير الذي اخذ يفرض نفسه على المواطن العربي البسيط ، المنغمس في مستنقع القهر والانكسار امام لقمة العيش ، من حيث سطوة راس المال المنسلخ عن قيم واعراف المجتمع ، وانهزامنا دون مقاومة ، امام سلطانه ، وجبروته ، وانسحاب المعايير والقيم التقليدية الى ماوراء الصف الثاني اوحتى الثالث في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي ، واجتراح الُمثل العليا الناظمة للوجدان الشعبي. مما يقلل من مقدار تفاؤلنا بالقادم من الايام ، ويزيد من تشكيكنا بمستقبل اجيال امتنا ، حيث التسليم بالواقع المرير ، وتسليم المعايير المفروضة ، مهمة تنظيم تفاصيل حياتهم ، والتحكم بمقاليد يومياتهم ، وقولبة مسلكياتهم واهتماماتهم ، بما يتوافق مع متطلب الحداثة والعولمة ، المفروض بكليته على هذه الامة المبتلاه ، دونما تمحيص اوتدقيق فيما يتوافق مع معطياتها وقيمها وحضارتها .