اوباما .. حلم تحقق واسقاطات تبددت
سامر حيدر المجالي
05-11-2008 02:00 AM
فاز باراك اوباما أخيرا بالمنصب الرئاسي . هذا الأمريكي ذو الأصول الأفريقية ، الذي جاء أبوه وربما جده - على أبعد تقدير - من أحد السواحل الشرقية للقارة الأفريقية ، والذي أثبت بامتياز قدرة الديمقراطية الأمريكية على أن تكون صادقة مع نفسها ، معبرة عن رأي الأغلبية ، بعيدا عن مآخذنا الأخرى تجاهها ، ووقوعنا تحت ظلمها الفاحش ومكاييلها الخرقاء .
الذي نتحدث عنه هنا هو الولايات المتحدة الأمريكية ، كبلد وحضارة ومكونات انصهرت في بعضها فكانت جديرة بأن ينظر إليها من زواياها المختلفة ، التجربة الإنسانية .. البنيان الحضاري .. التكوين الديموغرافي .. الابستومولوجيا الفاعلة .. وأخيرا وليس آخرا الجانب السياسي والقوة العسكرية .
حين نستطيع فصل هذه المكونات عن بعضها ، فنتغاضى قليلا عن كبريائنا المهزوم ، يمكن لنا أن نتعلم شيئا مهما قد يساهم في إخراجنا من وحل الواقع الذي نعانيه . اوباما اخترق حواجز كثيرة ، حواجز من جهتنا نحن لا من جهته هو ، تخيلناها نحن العرب ستقف حجر عثرة أمام نجاحه بفعل إسقاطنا لواقعنا نحن على الواقع الأمريكي ، إسقاطا ليس له من أساس منطقي يدعمه سوى عجزنا نحن عن رؤية العالم بموضوعية وعقل راجح . فقد راهن البعض على أن ( أمريكا !! ) لن تسمح لمهاجر أسود بأن يتبوأ منصب الرئاسة فيها .
أمريكا هذه التي ننظر إليها بالمجمل ، ونصفها بأنها الشيطان الأكبر ، ونرى كل ما يأتي منها مشوها ومشكوكا فيه ، علمتنا درسا واقعيا في الديمقراطية ، وقيمة الإنسان من حيث هو نفسه فقط ، لا من حيث الانتماء الفئوي الضيق ، والعشيرة والحزب ولون البشرة وتاريخ الجد السابع عشر .
نتمنى أن يساهم فوز اوباما في تعرية واقعنا أمام أنفسنا كأفراد ، بل كذلك كأنظمة وسيطة ما زالت قوانينها راسخة في أعماق وجداننا المتوارث . أشياء كثيرة تبعث على الإحباط ، عشائرنا المقسومة إلى أصلاء ولفايف . مدننا المقسومة كذلك إلى عائلات عريقة ، وأخرى وافدة حتى لو مضى مئة عام أو أكثر على إقامتها في المكان . مقاييس المشيخة المتوارثة عندنا بالنسب والعصبية حتى لو أثمرت أفرادا على غير هدى أو صفات قيادية . المناصب المقتصرة حصريا على ابن فلان وحفيد علان من الناس .
هل يا ترى سنجرؤ على المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، ونصلح أنفسنا كأفراد قبل أن نلقي بألف لعنة على أنظمة سياسية فاسدة حرمتنا من امتيازات لا نستحقها ؟ أمريكا عاثت في الأرض فسادا ، لكنها لم تجرؤ يوما على أن تصادر إرادة الإنسان في داخلها ، ولا حرمت مواطنا أمريكيا من التعبير عن رأيه مهما كان متطرفا وقاسيا .
أمريكا سمحت لحلم عمره أكثر من خمسة أربعين عاما أن يتحقق . انه الحلم الذي عبر عنه مارتن لوثر كينج في أحد خطبه بقوله " إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم " . هذه المرة تطابقت إرادة الأمريكان بالتغيير مع تحقيق الأحلام التي بدت في يوم من الأيام شبه مستحيلة .
لا نعول كثيرا على الديمقراطيين وباراك اوباما في تحقيق العدالة تجاه قضايانا نحن العرب ، فقد عاشوا حلمهم وحققوه لأنفسهم هم فقط . فهل سنتمكن يوما ما من تحقيق أحلام كثيرة مشابهة لأحلامهم ؟ أم أن أحلامنا ستبقى مصادرة من أدمغتنا ، محجورا عليها حتى لو كانت لا تخرج عن كونها أحلام يقظة لا أكثر ولا أقل ؟
samhm111@hotmail.com