حتى وقت قريب كانت الوثائق السرية تبقى هاجعة في الادراج وتشترط مرور زمن قد يصل الى ثلاثين عاما كي يفرج عنها ، لكن الانقلاب الكوبرنيكي في تكنولوجيا التواصل شملها ، واصبحنا نسمع بين وقت وآخر عن تسريب وثائق واسرار حتى قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به.
ولم تكن ويكيليكس هي اول السطر ولن تكون آخره في هذه الدراما التكنولوجية، فالتسريب لا يتم بالمصادفة او بلا قيود، انه رهينة التوقيت وكما يقال فإن التوقيت احيانا يكون له ضعف الحصة، سواء تعلق بالكتابة او التسريبات ، وفي الاعوام الاخيرة ارتفع منسوب التسريبات في مختلف القارات خصوصا تلك التي تأتي بعد فوات الاوان وبعد ان تكون قد ادت المطلوب منها .
وقد مر الاعلام بمرحلة كانت اقرب الى ما نسميه في المثل الشعبي اياك اعني واسمعي يا جارة، وذلك من خلال اللجوء الى التلميح بدلا من التصريح والى حشد القرائن التي تتيح للبيب ان يفهم من الاشارة .
لكن ما يجري تسريبه على عجل قد يكون لاخفاء الحقيقة وصرف الانتباه عن المتون الى الهوامش وهذه بحدّ ذاتها استراتيجية تمارسها الميديا ذات الحدين والوجهين ايضا، وقد يكون تسليط الاضاءة الساطعة على زاوية من المشهد الهدف منه هو التعتيم التام على زوايا اخرى بحيث يكون المخفي أعظم ، فالناتىء من جبل الجليد اقل باضعاف من الغاطس منه ! وان كان هناك من علاقة بين التسريب والتهريب فهي التلاعب بالرأي العام من حيث حجب المعلومة او بثّ معلومة مضادة .
فهل انتهى زمن الاسرار واصبح هناك ثالث لكل اثنين وعاشر لكل تسعة من البشر ؟
التسريب ليس مرادفا لما يسمى الشفافية بقدر ما هو نقيضها لأنه يأتي بعد فوات الاوان وسقوط الفأس في الرأس !!!
الدستور