الانفاق العالمي على التسلح
د.رحيل الغرايبة
21-02-2017 12:36 AM
ورد في بعض التقارير العالمية المختصة أن مجموع ما أنفقه العالم على التسلّح في عام 2016 (1,57) ترليون دولار أمريكي، وما زالت الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى بنسبة 31% ثم تليها روسيا بمعدل 27% ثم الصين ثم فرنسا ثم بريطانيا، ويشير التقرير أن نسبة الانفاق العسكري في العالم العربي زاد بنسبة 15% لهذا العام، وخاصة في دول الخليج العربي التي ضاعفت من نسبة انفاقها، وسوف تقدم على صفقات ضخمة للعام القادم وفي الأعوام المقبلة، وقدر الانفاق التركي على التسليح بـ (18) مليار دولار، والانفاق الإيراني بـ (8) مليارات، مع العلم أن كل من تركيا وإسرائيل وإيران تعد دولا مصنعة للأسلحة.
مجموع الانفاق العالمي على التسلح يعطي صورة قاتمة للعالم في العصر الحاضر، فما زال موغلاً في التوحش، وفي انتاج الدمار وأدوات القتل، والقيمة الهائلة للانفاق التسليحي يدل دلالة واضحة على أن العالم ما زال أكثر اعتماداً على استخدام القوة والعنف في أسلوب التعامل البيني بين الأمم والشعوب، رغم التقدم الكبير في مجالات العلم والمعرفة، وهذا التقدم يجب أن ينعكس على الطرق الحضارية في التعامل التي ينبغي أن تكون أقرب إلى استخدام العقل وأقرب إلى الأساليب السلمية التي تقوم على الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، واستخدام البراهين والأدلة في بسط الأفكار ونشر الثقافات.
نجد أن بعض من المجتمعات البشرية غارقة في التخلف والفقر، وبعضها يفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية من فقدان الماء الصالح للشرب والغذاء والدواء، وبعضها تهددها المجاعة ومع ذلك نجد أن السلاح متوافر لدى أفرادها أو لدى الجماعات المسلحة التي تستخدم القوة والعنف في فرض آرائها وأفكارها ومعتقداتها، ما يدل دلالة واضحة أن العالم ما زال محكوماً بعقلية انتهازية ظالمة، تخطط لإبقاء الضعف والتخلف، وتسعى لإدامة العنف من أجل بقاء الأسواق المستهلكة للسلاح، والأسواق المستهلكة لمنتوجاتها.
ولو قدر لقادة دول العالم أن تفكر بطريقة مغايرة، بحيث يتم توجيه هذا الانفاق الضخم على نشر العلم والمعرفة، وعلى إنقاذ الشعوب والمجتمعات البشرية المتخلفة من براثن الفقر والأمية، وأن يتم توجيه المجتمع الدولي نحو تعظيم الانفاق على المجالات الأخرى الأكثر نفعاً للشعوب والأفراد، وأن يتم تقليص استخدام القوة، وتقليص أسواق السلاح بشكل تدريجي، وأن يتم رصد الأموال من أجل تحسين سبل الحياة، وتحسين وسائل الحصول على الغذاء والماء الصالح للشرب، لربما كان العالم أفضل حالاً ومآلاً وأقل عنفاً وفساداً، ولكن الحقيقة المرة تظهر بأن العالم ما زال محكوماً بعقلية العصابات المتوحشة التي لا تقيم وزناً للحياة البشرية ولا ترى في التجمعات الإنسانية إلّا سوقاً لانتاج مصانع الأسلحة لديها من أدوات التدمير والقتل.
الأصل أن المجتمع الدولي الحديث وهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها أن تتجه باتجاه معاكس لما يجري الآن من تدمير للعالم، وأن يكون دور مجلس الأمن متوجهاً نحو تحرير الشعوب من الظلم والقهر والفقر وليس إشعال الحروب واستعمار الشعوب.
"الدستور"