في رثاء الشيخ عمر عبد الرحمن، الذي مات في سجنه في الولايات المتحدة، يحاول البعض أن يجعل منه بطلاً مظلومًا، وضحية بريئة. وهو يمكن أن ينطبق عليه كل شيء إلا هذه الشهادات، فهو الذي اخترع الإرهاب الجديد، وهو من سبق بن لادن والظواهري زعماء «القاعدة» إلى الدعوة والتحريض. عمر عبد الرحمن ربما هو الوحيد الذي شب وشاب ومات مؤمنًا بالعنف. عاش متآمرًا ومحرضًا، منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم الرئيس أنور السادات، فالرئيس حسني مبارك. الوحيد الذي اتفقوا على اتهامه وسجنه.
العمى ليس عمى البصر، بل عمى البصيرة، وقد ظن كثيرون أن الشيخ كفيف البصر لا يمكن أن يكون عنصرًا شريرًا في التنظيمات الإرهابية، لكن وبإجماع الأجهزة الأمنية التي تعاملت معه، رأت فيه أكثرهم خطورة. متطرف منذ عام 1963، عندما كان طالبًا في الأزهر متأثرًا بسيد قطب وفكره المتشدد، ثم أوقف من التدريس في جامعة الأزهر واعتقل في أواخر أيام عبد الناصر بتهم التحريض. ومع أن خلفه الرئيس السادات أطلق سراحه وآلاف الإسلاميين، وسمح له بالعودة للتدريس الجامعي، فإنه غدر بالسادات وأفتى للجماعة الإسلامية بقتل الرئيس. سجن بعد اغتيال السادات وعفا عنه الرئيس مبارك، ثم غادر مصر إلى السودان، التي كانت ممرًا لكل كبار الإرهابيين، ليلتحق بالمقاتلين في أفغانستان مع بن لادن والظواهري، حيث كان مفتيهم وملهم صغار المقاتلين. ويكرر الأميركيون غلطة السادات، فمنحوه تأشيرة دخول للولايات المتحدة ووثقوا به. هناك أصبح يجوب ثلاثة مساجد في نيويورك محرضًا ضد الحكومة الأميركية، وعندما طلبت الخارجية الأميركية إلغاء تأشيرته، كانت دائرة الهجرة قد منحته الإقامة الدائمة، وبعد تعطيل «الغرين كارد» التي تسمح له بالعمل، حصل من المحكمة على حق اللجوء السياسي. وبعدها بعام واحد، 1993، يقع أول هجوم على مبنى مركز التجارة العالمي، حيث قام المنفذون بتفجير الأساسات، لكن المبنى لم ينهر، وإن كان قد جُرح في التفجير آلاف الأشخاص وقتل ستة. الأربعة المقبوض عليهم المتورطون كانوا تلاميذ الشيخ الأعمى، وسجن معهم بتهم التآمر لارتكاب عمليات تفجير متعددة، بما فيها التخطيط لاستهداف مبنى الأمم المتحدة. كثيرون لم يقتنعوا بأن قائمة الأهداف هذه واقعية، وأن الادعاء كان يبالغ في إلصاق التهم حتى وقع الهجوم على نفس المبنيين، مركز التجارة العالمي، في عام 2001.
ويتضح لاحقا أن عمر عبد الرحمن كان قد أرسل من سجنه لرفاقه في تنظيم القاعدة في أفغانستان رسالة يدعوهم للهجوم. أمضى ربع قرن مسجونًا بعد تاريخ طويل من الإرهاب لم يجاره فيه أحد في الزمن والأحداث.
هذا هو عمر عبد الرحمن، الذي نعاه المتطرفون المبررون دائما للإرهاب وأهله.
عن الشرق الأوسط