( إصلاح التعليم في الأردن أولوية وطنية)
د. عمر مقدادي
20-02-2017 09:48 AM
تعّد عملية الإصلاح هدفًا متجددًا على جميع المستويات المحلية والعربية والدولية، وعملية الإصلاح دائمة مرتبطة بحاجات الفرد والمجتمع والحياة، ومجالاتها واسعة ومتعددة؛ لذلك فمفهوم الإصلاح شمولي، يشمل كافة مجالات الحياة، والإصلاح التربوي من أهمها، وذلك لتحقيق الانتماء الوطني والإصلاح السلوكي والقيمي وتلبية حاجات الفرد والمجتمع، ويتطلب الإصلاح إرادة سياسية ومشاركة مجتمعية مع التأكيد على أهمية دور الإدارة في هذه العملية والمساهمة في إنجاحها، وإن أي عملية للإصلاح في المجتمعات والدول تبدأ بإصلاح التربية والتعليم، تعمل عليها الدول لتحسين مخرجاتها ومتطلباتها ونواتجها وفق ثوابتها ومرجعياتها، بما يتوافق ومتطلبات التنمية والحداثة ومواكبة المستجدات في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتنطلق عملية الإصلاح الحقيقي من دراسة الواقع وتشخيصه بعمق لمعرفة الأسباب والدوافع والمشكلات وطريقة معالجتها وفق منهج علمي وتوافر كوادر بشرية مؤهلة وذات خبرة فنية وتربوية، وفي بلدنا الحبيب يسعى الأردن عن طريق رؤية صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم إلى تطوير الموارد البشرية باعتباره محور التنمية وعمادها، حيث يشكل التعليم أساسًا لذلك، وتعمل وزارة التربية والتعليم على تهيئة جيل من المتعلمين القادرين على التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوظيفها بوعي، وإكساب المتعلمين المعارف والمهارات والقيم بشكل متوازن لتشكيل شخصيتهم المتكاملة للمساهمة في التنمية المستدامة للمجتمع.
إن إصلاح النظام التربوي وما يتبعه من مؤسسات تربوية وتعليمية وثقافية هو التحدي الأكبر لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة ؛ لأن إصلاح هذا القطاع المهم والأكبر هو أساس الاستثمار الأمثل في رأس المال البشري، الذي يشكل الثروة الوطنية الحقيقية، والإستراتيجية الحقيقية والمستدامة لمواجهة تحديات عصر العولمة والمعرفة وقيم السوق والمجتمع العالمي المفتوح والتنافسية والعلوم والتقنيات، باعتبارها القاعدة الأساس لتأسيس اقتصاد ومجتمع المعرفة، والمدخل الأساس للرقي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي والوصول إلى أقصى غايات التميز ودرجات الجودة.
لقد مر الإصلاح في المنظومة التربوية الأردنية بمحطات مختلفة، حيث إن معظم جهود الإصلاح المتعاقبة على المنظومة التربوية الأردنية تتسم بضعف بعض نواتجها ومخرجاتها، والتي بدأت بصورة واضحة منذ عام 1987م بعد انعقاد مؤتمر التطوير التربوي برعاية ملكية سامية، حيث أعيد النظر في مجمل العناصر والنشاطات والإجراءات التربوية، وتلا ذلك الإصلاح في العام 2002م والذي حدد الرؤية والرسالة الوطنية للتعليم ، ورسم الاتجاه المطلوب للتعليم العام في الأردن، ووضعت استراتيجية شاملة أدرجت في خطتي التنمية، وهما خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي، وخطة التعليم العام نحو اقتصاد المعرفة في مرحلتيها للفترة: (2003 – 2013م)، وقد أطلقت برنامجًا طموحًا يهدف إلى تعزيز الإصلاحات السابقة ويسعى إلى إعادة توجيه السياسات والبرامج التعليمية، بما يتماشى مع حاجات الاقتصاد نحو المعرفة، وتحسين بيئة التعليم المادية في المدارس، مع التركيز على التنفيذ على مستوى المدارس ورفع كفاءة المعلمين، والقدرات المؤسسية لوزارة التربية والتعليم على مستوى السياسات والتخطيط الاستراتيجي والرصد والتقييم وتحسين معدلات توظيف المعلمين ، وسياسات التطوير المهني وتطبيقها، وتطوير المناهج، ووسائل تقييم الطلبة ، وفي مجال تطوير بيئة التعليم في المدارس وضع مشروع تعليمي رائد في المدارس للاستفادة من تطور المعلومات والتكنولوجيا عن طريق توظيف طرق تدريس حديثة، وحصلت هذه المبادرة على جائزة اليونسكو لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، ولا شك في أن نظام التعليم في الأردن يحتل مرتبة متقدمة في العالم العربي، وهو من أجود أنظمة التعليم في بلدان العالم النامية، وقد شهد هذا النظام تحسنا مستمرا، وأصبح الأردن أنموذجًا في المنطقة في تطوير النظم التعليمية، وقد استمرت مسيرة الإصلاح خلال الفترة 2013-2016م، في محاور وعناصر النظام التربوي بهدف تطوير العملية التعليمية التعلمية وتحسين جودة مخرجاتها ، وتم عقد مؤتمر التطوير التربوي في عام 2015م، ومن أهم ملامح الإصلاح في هذه الفترة ضبط امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، ومراجعة وتطوير المناهج والكتب المدرسية، وإعادة النظر في المسارات والفروع التعليمية الأكاديمية والمهنية وتطوير الخطط الدراسية لمراحل التعليم، ومحاولة تعزيز مهارات التعلم الأساسية وخاصة الصفوف الثلاثة الأولى، وتحسين بعض التشريعات والإجراءات لتطوير كفايات المعلمين وأسس تعيينهم، ولكن وبالرغم من كل ذلك، ورغم التحسن الذي تحقق في نظام التعليم، ما زالت ثمة تحديات وصعوبات تواجه التعليم، وإن معظم الإصلاحات المتعاقبة على المنظومة التربوية التعليمية تتسم بالضعف نظرًا لأنها لم تبلغ الهدف من إعدادها ، ولم تحقق الآمال في مواجهة بعض التحديات والصعوبات التي تتمثل في ما يأتي:
1. عدم وجود خطة استراتيجية تربوية لتطوير التعليم تكرس العمل المؤسسي للنهوض بالعملية التربوية والتعليمية نحو الأفضل وفق خطط تنفيذية وبرامج مدروسة، كما أن عملية تغيير الوزراء يسهم في إفشال الخطط والبرامج، ولا سيما أنها مبنية فعليًا على قاعدة أساسها مرتبط بشخص الوزير وارتباط الخطط التربوية بشخص أصحاب القرار وتغيرها بتغيرهم.
2. ضعف منظومة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية لدى المتعلمين وما يترتب عليه من العنف وسوء السلوك، الذي يسود في بعض المؤسسات التعليمية، سواء المدارس أو الجامعات ليمتد إلى القبائل والعشائر، وتراجع دور المدرسة وضعف الروابط بين منتسبيها، مما يسهم في تقويض أركان العملية التعليمية والتربوية.
3. تدني مستوى التعليم والتحصيل في المرحلة الأساسية لدى الطلبة في المهارات الأساسية من مثل: القراءة والكتابة والحساب، وهذا من أخطر المشكلات التي تواجه النظام التعليمي لآثارها السلبية على تحصيل الطلبة وتعلمهم في المراحل اللاحقة.
4. ضعف برامج وطرق القياس والتقويم للتحصيل المعرفي لدى المتعلمين، وضعف نتائج الطلبة في الأردن في الاختبارات الدولية وعدم تحقيق المنافسة الفاعلة على المستوى الوطني والدولي، وذلك لا يكون إلا بضمان جودة التعليم ومستوى المهارات المقدمة التي يمكن أن تساعد الطلبة في تحقيق تلك المنافسة.
5. ضعف الاهتمام بالبيئة المدرسية وتطويرها بوصفها عنصرًا من عناصر العملية التعليمية التعلمية، من حيث مناسبتها للتعليم وضعف البنية التحتية في أغلب المؤسسات التعليمية والمعاناة من أعمال الصيانة والترهل، والمباني المدرسية المستأجرة ومواصفاتها كما يوجد اكتظاظ في أعداد الطلبة على نطاق واسع في المدارس وما يترتب عليه من نظام الفترتين في معظم المناطق وآثار سلبية على أداء تعلم الطلبة، وندرة المكتبات واستخدامها، واستخدام محدود لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس.
6. ضعف الاهتمام بالمعلم من حيث الحوافز المادية والمعنوية والمهنية، فهو يعاني من تراجع الظروف المادية والمعيشية، مما أدى إلى بحثه عن عمل آخر لتوفير العيش الكريم له ولأسرته وتراجعت مكانته الاجتماعية واحترام المجتمع له، وفقدان هيبته كمعلم ومربٍ؛ مما يؤدي إلى اعتداءات عليه من قبل الطلبة وأولياء أمورهم أحيانًا، وضعف برامج التدريب والتنمية المهنية والترقية الوظيفية والخدمات والحماية المقدمة له.
7. ضعف التوجيه المهني وفق الحاجات التنموية، وضعف الإقبال على تخصصات التعليم المهني من قبل الطلبة، وتعدد المسارات والفروع المهنية( الشامل والتطبيقي) وتخصصاتها في المرحلة الثانوية والجامعية، مما يؤدي إلى اختلال في هرم العمالة وتوزيع المهن وضعف ارتباط المخرجات التعليمية بسوق العمل، وتكدس الخريجين من الجامعات بانتظار الحصول على وظيفة، فأصبحت بعض التخصصات نادرة كتخصصات العلوم الإنسانية مثل الشريعة والتاريخ والجغرافيا وزيادة في التخصصات المتعلقة بالآداب والعلوم الهندسية والطبية والقانون والعلوم الإدارية والمالية والسياسية.
8. الضعف في قدرة التعليم على التكيف مع المستجدات المعرفية والتكنولوجية والتربوية والاستجابة لتحديات العصر ومتطلبات التنمية في الأردن.
9. الضعف والعجز أحيانًا في إدارة الأزمة وتحمل المسؤولية الأخلاقية والإدارية والتربوية، كما حصل في أزمة تعديل الكتب المدرسية، وتطبيق الخطة الدراسية للتعليم الصناعي وغيرها.
10. ضعف مخرجات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، وإجراءات تطبيقه التي تتسم بالتقليدية، وضعف التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي بخصوص المسارات التعليمية والقبول الموحد في الجامعات.
بعد مراجعة عناصر النظام التربوي وعمليات الإصلاح التي مرت به، وتحديد أهم التحديات، ثمة سؤال يبرز في هذا المجال، ما هي مقترحات ومداخل الإصلاح التربوي الحقيقي؟
وفي ضوء ذلك فإننا نعتقد أن الجهود التي تقدمها وزارة التربية والتعليم لتحسين التعليم وجودته وإصلاحه غير كاملة وغير كافية، مما يسبب إنتاج مخرجات ضعيفة، وعليه نقترح جملة من الاقتراحات والإجراءات والمتطلبات لبناء نظام تعليمي تربوي يتسم بالجودة العالية ورفع مستوى الكفاءة الداخلية والخارجية لهذا النظام وكما يأتي:
1) زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم، والتوسع في بناء المدارس الجديدة وتطوير القائم منها، وتزويدها بمتطلبات التعليم والحاجات الفنية والتربوية.
2) ضرورة وضع استراتيجية وخطة تنفيذية محكمة، وبرامج إصلاحية حقيقية شاملة لإنقاذ العملية التعليمية والتربوية وعناصرها كافة.
3) تعزيز تعلم المهارات الأساسية المتعلقة باللغات العربية والأجنبية والحساب والعلوم في المناهج والكتب المدرسية للمرحلة الأساسية، عن طريق تطوير محتوى التعلم وطرق التدريس والتقويم للطلبة.
4) تعزيز دور المعلم ومكانته والارتقاء به في المجالات المهنية والاقتصادية والاجتماعية بوصفه العنصر الأهم في العملية التعليمية.
5) إعادة النظر في التشريعات التربوية ومنها قانون التربية والتعليم، وتعديل أسس النجاح والإكمال والرسوب، ونظام تحفيز الطلبة، ونظام تدريب المعلمين وتصنيفهم وتحفيزهم وشروط ومعايير الطلبة والمعلمين والمدارس الحكومية والمدارس الخاصة وتعزيز دور الإشراف والمتابعة والتقييم، ونظام الانضباط المدرسي لضبط جودة التعليم والمخرجات التعليمية.
6) تعزيز منظومة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والوطنية والإنسانية في محتوى التعلم، لبناء منظومة متكاملة من القيم لدى الطلبة، وتهيئة المناخ القيمي والأخلاقي المناسب بين التلاميذ بعضهم بعضًا وبينهم وبين المعلمين والعاملين جميعًا.
7) إعادة النظر في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، بحيث يمثل الاختبار 50%، واختبار القبول الجامعي في التخصص 30%، وتقييم المدرسة في المرحلة الثانوية 20%، وبذلك يقل الضغط النفسي والاجتماعي لهذا الاختبار، والجهود الحكومية والتربوية المبذولة لعقده وضمان نجاحه، وكذلك تقليل الكلفة المادية، وتفعيل دور المعلم والمدرسة في تقييم الطلبة.
8) إعادة النظر في مسار التعليم المهني من حيث التخصصات ومستوى الكفايات والمهارات ونظام التدريب والحوافز وبرامج التوجيه المهني ومتابعة الخريجين والشراكة مع القطاع الخاص ، لتلبية حاجات المتعلمين والمجتمع.
9) مواكبة المستجدات في المجالات العلمية والتربوية، والإفادة من التجارب التربوية الناجحة في الدول المتقدمة في مجال التعليم لتطوير نظام التعليم في الأردن.
10) ضبط جودة التعليم وتحسين مخرجاته عن طريق وزارة التربية والتعليم كمظلة تعليمية تعمل على السيطرة والضبط لكافة الفعاليات والأنشطة والإجراءات التربوية، من غير تدخل من أحد أو فئة باعتبار التعليم جزء من سيادة الدولة والعمل على تطويره أولوية وطنية، وفق الثوابت والقيم الدينية والاجتماعية
والوطنية.