يواجه الأردن تحديات حقيقية وجادة، وتتصف بالخطورة دون أدنى شك، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ولا سبيل للتغلب عليها إلّا من خلال خطة استثنائية تقوم على الاستنفار والحشد؛ الذي يرتكز على جمع الطاقات وتوجيهها عبر المشاركة الفاعلة بين الحكومة ومختلف القوى السياسية والوطنية المخلصة والمنتمية للدولة الأردنية وترابها ومستقبلها.
التحديات الداخلية تتمحور حول الإصلاح السياسي الذي يجب أن ينجح في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والإصلاح التعليمي المطلوب، ويكمن التحدي الحقيقي في إدراك نقطة البداية أولاً، وإبصارالمدخل الذي يشكل بوابة الأردنيين للعبور نحو الإصلاح الوطني الشامل، وهنا يجدر تحقيق التوافق الحاسم أولاً على أن الإصلاح السياسي هو المتطلب الاجباري الأول، لأن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي والتعليمي كذلك لا يمكن تحقيقهما دون أن يكونا مبنيين على إصلاح منهجية الاختيار لفريق القيادة، الذي يتحمل مسؤولية الإشراف على كل ملفات الإصلاح الأخرى، والذي ينبغي أن يكون مأموناً على مقدرات الأردنيين ومصالحهم، ويملك ثقة الشعب الأردني الحقيقية بكفاءته وقدرته وإخلاصه، ولا سبيل لذلك إلّا عبر اتقان آلية التمكين الفعلي للشعب بالاختيار والرقابة.
أما التحديات الخارجية فقد أصبحت أكثر خطورة وأشد سخونة، وتبعث على القلق، ولعلّ التحدي الأكثر أهمية على هذا الصعيد ذلك الذي يتمثل بتطورات الموقف الأمريكي والإسرائيلي حول القضية الفلسطينية، حيث أن رئيس وزراء دولة الاحتلال يدشن برنامجاً عملياً مشرعناً لابتلاع الضفة الغربية، عبر إطلاق العنان للاستيطان المتوحش الخارج على كل أعراف الأرض والسماء، والمصادم للإرادة الدولية جميعها بكل صلف، ولكن موضع الخطورة يتمثل بدعم الرئيس الأمريكي الجديد لخطوات «نتن ياهو»، سواء فيما يتعلق بتهويد القدس، أو التخلي عن حل الدولتين» الذي كان قد تبنته الإدارات الأمريكية السابقة، وإذا أضيف إلى ذلك شعار القيادة الصهيونية القائم على (يهودية الدولة) مما يعني باختصار أن هناك خطوات عملية جادة نحو ممارسة سياسة التطهير العرقي الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، سواء في فلسطين المحتلة عام (1948) أو الضفة الغربية المحتلة عام (1967)، وهذا يعد تهديداً صريحاً ومعلناً ضد الدولة الأردنية ومستقبلها بكل وضوح، ولا يحتمل مزيداً من الغفلة أو الاستغفال، أو التباطؤ في عمليات المواجهة الفعلية.
التحدي الثالث يكمن في سخونة المعركة التي تدور رحاها على حدود الأردن الشمالية، في منطقة درعا وما حولها، واقتراب شرر المعارك من الأرض الأردنية، مما يعني ببساطة أن على الجيش الأردني الاستعداد والتأهب لمواجهة محتملة قادمة، قد تتطلب رسم معالم الدور الأردني في هذه المواجهة العسكرية التي تؤمن حفظ حدودنا وأمننا الداخلي، ومنع هروب مقاتلي الحركات العنفية المسلحة إلى الأرض الأردنية، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على التعامل مع تغيرات المشهد السياسي القائمة على تبدلات واضحة في التحالفات السابقة، التي كانت مرسومة بين الأطراف المتصارعة والقوى الإقليمية والعالمية، والتحولات الجارية على المواقف السياسية، وإعادة التموضع في المسارات والتوجهات لبعض القوى الإقليمية، مما يقتضي إعادة التقويم والمراجعة التي ينبغي أن تكون عميقة وجذرية وشاملة.
مواجهة هذا الكم وهذا النوع من التحديات الكبيرة المتجددة يحتاج إلى خطة طوارىء شاملة على المستويين الرسمي والشعبي، وعلى جميع الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، كما أن الأمر يحتاج إلى فريق استثنائي قادر على إدارة ملفات المرحلة، وقادر على تحمل المسؤولية الاستثنائية المطلوبة.