تصلني رسائل استنكار او تعجب لا افهمه أنت "قلاب" من وين.. وأجيب أنا من بني حسن، أصولي من قرية مستبدة جميلة اسمها "العالوك" قرية شعرت إتجاهها بتناقض الحب والكراهية.

اليوم أستطيع أن أجزم بأني احبها، قرية من جبال وبلوط، وخبز شراك، ونساء قرويات, لسن متحضرات لكن تستطيع الواحدة منهن أن تعيش بلا رجل، حرات مثل جدتي التي أعتدت على مناكفافتها، ووضعت لها الملح والفلفل في جرة ماءها لأضحك وأنا طفلة ولم أهزمها.

العالوك قصص وخرافات عن جني في غابة، وثعلب بجناحين أكل كل الدجاج، وروح إمرأة تصرخ كل ليلة خميس شنقوها ظلماً على خطيئة، وافزعني صوتها وأنا طفلة.

كانت طقس من طقوس والدي، أحبها اقل مني بقليل، كان يعاقبني كل يوم جمعة لزيارتها، ارضخ بكسل الواجب، آلبي النداء، رغماً عني، البس اخف ملابسي، انام في السيارة لأصل الى غابة البلوط وبيت بناه كما أشتهاه, غرفتين نوم وصالون ومطبخ وصالة كبيرة في الطابق الاول، ليس مهماً، لكن ما ميز بيته المشتهى، مغارة باردة وغامضة أثثها بطاولة من خشب يشبه لحاء الشجر، وكراسي تركت في بصمتها جذوع الأشجار، وخلف البيت شلال ماء يَصْب من اعلى الجبل لاسفله، ابالغ في الوصف لكن هذا ما كنت أراه، وقرميد أحمر على شكل كوخ للشواء، أصعد درج الحديقة الى شجرة ياسمين ممتدة على السور والبوابة، وخلف البوابة اشجار من تين وزيتون ودالية، اما الأزهار والورود التي عجزت عن سقايتها وطلب مني والدي أن لا أكرر مهزلة الغوص في الماء والطين، فكانت كأنها حدائق بابل المعلقة، وخلف المطبخ يوجد شجرة ليمون تعبق في ارجاء المكان.

أخر مكالمة هاتفية بيننا أخبرني ان أزوره في الربيع، وغادر الحياة في الشتاء، قبل أن يأتي الربيع، ولم أفك لغز شيفرة الربيع حتى قرأت رواية "سأكون بين اللوز" وعرفت انه سيكون "بين البلوط" ينتظرني وأشتاق لرائحته..