لا يثير حزني إلا حضور جنازة شهيد ، أو رؤية طفل يبكي أباه ويجلس عند قبره وحيدا ... أو جندي يقف وحيدا على باب سفارة يبحث عن دفء ضائع في شوارع فارغة ، وبنايات أبوابها مغلقة ، وسيارات لا يشاهد أصحابها من خلف زجاجها المعتم ...
كتب حبيب الزيودي يوما " هذي بلدنا " ومات حبيب مقهورا وحيدا .. وخاطب عمان وقال : "يللي ما تعرفي النكران " فأنكروه حيا وميتا وخلعوا كل نصوصه من كتب العربية ،..! لم تعد البلد بلدنا وشوارعها لا تشبهنا ، فقط تشبه وجوه الفقر ووجوه العسكر الذين يحرسون حدوده ويقفون ويحرسون سفاراته وبنوكه وجشع رؤوس أمواله .
لهم الوطن ولنا الوطنية والأغاني في الإذاعات ، والكتابة أن البلد بخير " والأمور تمام " .. لنا الفقر والجوع والقلق ولهم الفرح والرقص وحضور حفلات ياني واقتناء التماسيح والأسود وطعام القطط والاحتفال بالشمبانيا .. يزيد وجع قلوبنا ويرتفع الضغط والسكري والروماتيزم والأسعار ، وتنخفض فقط رواتبنا وتتآكل ومع ذلك نقول ؛ المهم أن يظل الوطن بخير ..
هذا وطن مقسوم منذ أن كان : لنا الدم ولهم الدينار .. لهم الأرض ولنا حراثتها فنحن العجول .. لهم مقدمة الصفوف ولنا حراسة الأبواب ، لهم الرقص على الدفوف ولنا ضرب الكفوف ... لهم حاويات البضاعة ولنا حاويات الزبالة ، يزيد رصيدهم ويزيد وجعنا وفقرنا .
المهم ما زلنا أحياء يا صديقي على هامش الحياة فقد علمونا أنك ستبقى جنديا لتحمي البلد وابنك حتما سيكون مشروع شهيد .