لا بد للروح, في برج المرايا المهشمة, ان تتشظى, وللنفس أن تتمزق وللعقل أن يحار..
ما ثمة مرآة صافية تريك نفسك أو تطمئن الى صدقها, وأنت بين امرين: إما أن تنخرط في اللعبة القائمة أو أن تربأ بنفسك عنها, وكلاهما مرّ العقابيل, الا ان يتمتع المرء بقدرة فائقة على السخرية, وعلى الحدس بالنهايات, قريبة أو بعيدة, حيث تتزاحم الاضداد.
***
كلمة قالها سيدنا المسيح منذ ألفي عام ونيف, لم يزل البشر دون مستوى تمثّلها الا في حالات متباعدة زماناً ومكاناً. قال على سيدنا المصطفى وعليه سلام الله: ماذا تربح لو كسبت العالم كله وخسرت نفسك؟ وغاية الرسالة في السؤال أن على المرء أن يكسب نفسه, أو أن لا يخسرها حتى وإن ترك العالم وراءه ظهرياً, ولكن واقع الانسانية على نحو ما كان وما هو كائن في غير هذا الوارد, وأقل فتات مائدة كفيل بانسلاخ معظم الناس من ذواتهم وأية بضاعة مزجاة تعرض لهم مرشّحة لأن تستلب منهم الالباب, ولو كانت اقل شيء قيمة أو حطاماً من الحطام.
إننا نبيع أنفسنا بثمن بخس لأول وصولنا الى السوق ولأول المساومين. وقل فينا من يعرف قيمة الجوهر النفيس الذي يستبدل به اعراضاً زائلة, أو من يقدر ما منحه الله من كرامة حق قدرها فلا يمتهنها أو يقايض عليها, لكأن دخول «السوق» ذو أثر عجيب في البنية الاخلاقية للانسان, أو لكأنها هي امتحان هذه البنية الممحّص لها, وصدق من قال: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
***
والسوق مليئة بالمرايا, وعلى ازدحامها فإن المسافات تمتد بين عابريها على نحو يجعل الحوار فيما بينهم حوار طرشان, ويحول بين أن «يعرف» بعضهم بعضاً, أو أن يدرك بعضهم جوهر الآخر وحقيقته, أو أن يكون مرآة حقيقية له, غير محدّبة ولا مقعّرة ولا مهشّمة.
***
يشبّه بعضهم النفس الانسانية بالبركة, في كلا حالي صفائها واعتكارها. فاذا كانت الاولى امكن لنجوم السماء أن تنعكس فيها, وإن كانت الثانية تغشّاها طميها وغثاؤها, فلم تنبئ الا بأسوأ سوءاتها.
***
كيف يكون للأنفس صفاؤها, وللمرايا صدقها؟
كيف لا نخسر أنفسنا في الأسواق المنتشرة فوق أديم الارض؟
كيف نتعرف الى حقيقة ذواتنا فلا تعبُرُ اعمارنا ذاهلين؟
تلك هي الاسئلة التي ينبغي الاجابة عليها.. لو كنتم تعلمون.
الرأي