تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن وقوف الحركة على مسافة واحدة من جميع الفرقاء اللبنانيين، وان الحركة لن تسعى لإخراج الانقسام الفلسطيني الداخلي - فيما لو فشل الحوار الجاري الآن مع فتح - إلى خارج حدود فلسطين، فعلام يدل ذلك؟ تبدي قيادة حماس نضجا سياسيا في تعاطيها مع العلاقة الفلسطينية العربية بما يؤكد أن الحركة مؤهلة لنسج شبكة أمان عربية تقي الحركة شكلا من أشكال العزلة السياسية في ظرف يمكن تسميته بالوقت المستقطع إذ أن إسرائيل ستكون مشغولة ابتداء من الآن وحتى شباط القادم بانتخاباتها العامة وكذلك بالنسبة للحالة الاميركية التي ستبقى في مرحلة انتقالية إلى منتصف كانون ثاني المقبل لذلك فان حماس ربما التقطت الفرصة المناسبة لتمتين علاقاتها العربية بما يجعلها مؤهلة للتعاطي مع ''النظام العربي'' في حالة انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني ودخول مؤسسات السلطة في حالة من الفراغ السياسي.

خلال الشهرين المقبلين ستجتهد حماس في نحت مفردات جديدة لخطاب سياسي يمكنها من أن تكون جسما مقبولا في سياق الحراك الدبلوماسي العربي، وهي بالفعل تحتاج إلى هذه الفسحة من الوقت لتصل ما انقطع وتؤكد أنها جسم سياسي مجاهد وعقلاني في ذات الوقت، وهي مهمة ،فيما لو قيض لها النجاح، ستشكل بوابة لإعادة صياغة شكل مستحدث لقيادة فلسطينية تتجاوز البعد الفصائلي المهلك تكون حماس عموده الفقري خصوصا في ظل تآكل الزخم الذي صنعته الزعامة الفلسطينية التاريخية ممثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات.

لعل حماس تعلم أكثر من غيرها ماهية الأسئلة التي يتوجب الإجابة عليها كي تدخل نادي النظم العربية فهي جربت العمل على النقيض من هذا النادي وكانت المحصلة أن وجدت نفسها أمام خيارات صعبة :إما التحالف مع قوى خارج وسطها الحيوي أو الغرق في المزيد من العزلة السياسية المشفوعة بحصار دولي.

لقد أصبحت حماس حقيقة سياسية تاريخية يستحيل تجاوزها في سياق المجتمع الفلسطيني وكلما ازدادت ''شرعية'' الحركة في مجتمعها ازدادت المسؤولية الدولية الملقاة على عاتق قيادتها ودفعت بهم نحو إظهار المزيد من الحكمة والعقلانية وربما البراغماتية، وتصريحات مشعل الأخيرة عن علاقات حماس مع محيطها العربي تأتي لتجيب على بعض الأسئلة المتصلة بمدى قدرة الحركة على تجاوز العقلية الفصائلية في نظرتها إلى محيطها.

لن تنجز تسوية سياسية بغير رضا حماس، كما يستحيل شطب الحركة من الشارع الفلسطيني ، وهي حقيقة يدركها شركاء حماس في الوطن الفلسطيني كما يدركها أشقاء حماس في عمقهم العربي، وفي المقابل تدرك حماس أنها معنية بإنتاج خطاب سياسي يأخذ في اعتباره حقائق الوضع السياسي الدولي والإقليمي وطبيعة التحالفات فيه، إذ لم يعد كافيا الاتكاء على مقولات ايدولوجية تصلح لكسب اعضاء جدد في التنظيم لكنها غير كافية لإيجاد حلفاء جدد.

أقوال مشعل الأخيرة تنبئ عن وجود روح عالية من المسؤولية لدى الحركة، والأشهر القادمة كفيلة بتزكية هذا التنبؤ.

samizobaidi@gmail.com

الراي.