نتنياهو وترامب .. إيران أولاً والاستيطان ثانياً!!
د. زيد نوايسة
16-02-2017 01:44 PM
اللقاء الأول بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعقد يوم الأربعاء 15/شباط/2017 يشكل حالة الاشتباك الأولى مع الادارة الجديدة التي لم تخفي انحيازها المطلق لصالح الكيان الإسرائيلي أثناء الحملات الانتخابية. وهو أمر معروف وثابت في كل الحملات الانتخابية للجمهوريين والديمقراطيين وأن تفاوتت المقاربات بينهم دون أن تخرج عن دائرة الإطار الجوهري في الدعم المطلق للحكومة الإسرائيلية ، بل أن الخشية اليوم هي من تنفيذ تلك الوعود وأهمها بطبيعة الحال قرار نقل السفارة الأميركية تطبيقاَ للقرار الصادر عن الكونغرس الأميركي كقانون بتاريخ 23/10/1995 "قانون سفارة القدس لسنة 1995"، والذي نص على البدء بعملية تمويل عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وذلك في أعقاب توقيع اتفاق "أوسلو" النهائي بتاريخ 28 /9/ 1995، على أنْ يتم إنجاز ذلك بحد أقصى بتاريخ 31 /5/ 1999.
لكن ذلك القانون الذي أكد على أن القدس هي عاصمة أبديه موحدة لإسرائيل أعطى مرونة للرئيس الأمريكي في مراعاة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية العليا عند تطبيق هذا القانون وهو الأمر الذي أعطى الرئيس الأمريكي كأعلى سلطة تنفيذية حق تعليقه أو تطبيقه تبعاً لذلك، بالإضافة إلى أن تطبيق ذلك القانون يتعارض مع القرارات الأممية التي تحول دون الوصول لذلك قبل الحل النهائي وانعكاس ذلك على العلاقات الأمريكية العربية والإسلامية وخصوصاً الحلفاء الرئيسيين السعودية والخليج العربي ومصر والأردن.
بالإضافة لملف وقف الاستيطان وحيث أعلنت إدارة ترامب رفضها الحازم قرار مجلس الأمن الأخير والذي امتنعت إدارة أوباما وفي أخر موقف لها عن تعطيل صدوره في حين أن الرئيس ترامب أعلن بأن سيعمل على الغائه، ولعل ملف عملية السلام في الشرق الأوسط وفي ضوء وجود فريق إدارة موال لإسرائيل بشكل مطلق ولا يؤمن بفكرة حل الدولتين نهائياً؛ وسيكون الملفان الإيراني والسوري حاضرين بقوة في هذا اللقاء وبما يمنح نتنياهو مزيداً من القوة في فرض خياراته وشروطه.
بالرغم من استياء حكومة نتنياهو من إدارة أوباما ومواقفها وأبرزها الاتفاق النووي مع إيران وعدم الذهاب بعيداً في إسقاط نظام الأسد الا أن هذا لا ينفي أن أكبر عملية دعم تلقتها إسرائيل لعشر سنوات قادمة تمثلت بتوقيع اتفاقيات قيمتها أربعون مليار دولار في أكبر عملية دعم مالي أقدمت عليها إدارة أمريكية عبر تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في حين أن الفلسطينيين لم يحصلوا على شيء مقابل كل هذه الامتيازات.
إشارات الصحافة الإسرائيلية وأهمها صحيفة معاريف الى أن اللقاء سيأتي في سياق تعزيز التحالف التاريخي في شتى المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية وان الملف الإيراني وبرنامج إيران النووي سيكون حاضراً بقوة وأن الرؤية متقاربة حد التطابق خلاف ما كان مع إدارة أوباما الراحلة حيث ألمح نتنياهو لوزرائه أن ذلك سيأخذ الأهمية القصوى ولو على حساب بناء المستوطنات؛ وأن الذهاب والأفراط كثيراً في التفاؤل في مواقف الإدارة الجديدة يجب أن يكون موضوعياً فهناك حواجز قد تضعها امام المقاربات التي يحملها نتنياهو بما فيها إعادة النظر في موضوعين أساسيين وهما نقل السفارة واستمرار الاستيطان وأن التقلبات في قرارات الرئيس دونالد ترامب التي لا يمكن عزلها عن قراءة متأنية لشخصية الرئيس ترامب التي يتوجب التعامل معها بحذر دون مجابهة؛ حتى أن مستشار نتنياهو السياسي، يوناتان شيختر، أوضح لوزراء الحزب أنه بعد التأكد والدراسة الدقيقة تبيّن له أن غالبية التصريحات المنسوبة لمقربين من ترامب حول استمرار البناء في المستوطنات صدرت من دون موافقة الرئيس الأميركي أو علمه وأن الرئيس الأمريكي ليس في جيبهم وعلينا أن ننتظر وأن قصة دفن حل الدولتين والاستمرار في بناء المستوطنات ليست خياراً أمريكيا مضموناً.
بل أن رد ترامب على نتنياهو في الحديث الهاتفي المطول كان ضرورة تفعيل العملية السلمية بمزيد من أقناع الفلسطينيين بتقديم التنازلات دون أن يتوقف على فكرة الاعتراف بيهودية الدولة. وجاء لاحقاً اللقاء بين الرئيس ترامب والملك عبد الله الثاني بتاريخ 2/شباط/2017 ليخفف من حدة الاندفاعة الأمريكية باتجاه نقل السفارة الأمريكية للقدس الشرقية والتي تخضع فيها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية للوصاية الهاشمية لحماية المقدّسات والدفاع عنها المبرمة منذ سنة 1924، وقد أعيد تجديدها بين المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية سنة 2013، وتهدف إلى حمايتها من محاولات التهويد الإسرائيلية وضمان حرية العبادة في الأماكن المقدسة.
يبدو أن زائر البيت الأبيض سيسمع كلاماً طيباً لكنه لن يوغل في تمنياته كثيراً سواء في الملفين الإيراني والفلسطيني، فالرئيس الأمريكي وفي حديث خص به الصحافة الإسرائيلية نفسها (صحيفة يسرائيل هوم) نفى رغبته بعزل إيران عن روسيا وتجنب الحديث عن عودة نظام العقوبات لكنه أنتقد من وصفهم بعديمي الخبرة الذين وقعوا أتفاق فيينا مع الإيرانيين والذين عليهم –الإيرانيين-أن يكونوا مُمتنين لذلك الاتفاق المدهش على حد وصفه. وبالتالي يبدو ان سقف توقعات نتنياهو في الملف الإيراني يجب أن يكون متواضعاً فحدة التصريحات الصادرة من الرئيس دونالد ترامب تتراجع بشكل تدريجي ولا أدل على ذلك من الموقف من الصين الذي دخل مرحلة التبريد السياسي بشكل واضح.
على صعيد الملف الفلسطيني يبدو أيضاً أن ثمة عقلنة أمريكية لجملة التصريحات التي استدعت حالة الفرح في إسرائيل عند أطلاقها قبل أسابيع ويبدو أن ثمة تصور أمريكي جديد سيسمعه رئيس الوزراء الإسرائيلي في مختلف جوانب الملف الفلسطيني وأهمها تداعيات الحديث عن نقل السفارة الأمريكية ومن ضمنها تحويل أحد مكاتب الخدمات في القدس الغربية وليس الشرقية الى سفارة باعتبار أنها ليست موضع خلاف عالمي أو عربي أو بقاء السفارة الامريكية في تل ابيب وأن يكون سكن السفير في القدس أو القيام بخطوة مستبعدة وهي نقل السفارة للقدس الشرقية مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويبدو أن ملف الاستيطان سيكون موضع تجاذب بين الطرفين فهناك قرار أممي لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تذهب بعيداً في تحديها له وأن كان ليس في السياسية الأمريكية ما يمنع.
يذهب نتنياهو الى البيت الأبيض وهو يدرك أن الخصم الفلسطيني العنيد أصبح مكشوفاً عربياً وأن العرب ينسحبون تدريجياً من التصدي للمخططات التوسعية لدولته وتشكيل قوة ضاغطة لدى الولايات المتحدة والأوروبيين؛ فالزمن تغير والاولويات تتبدل وهناك ممن لديهم قناعة بأن ثمة مبررات للتحالف مع الإسرائيلي أمام خصم عنيد وتوسعي يؤثر مباشرة على مستقبل العديد من الدول العربية والتي لم تعد تخفي تنسيقها المباشر السياسي والاستخباري مع الإسرائيليين بغية تحجيم إيران.
ويدرك أيضاً أن الانقسام الفصائلي بين فتح وحماس وبين أجنحة فتح الداخلية سواء في ملف خلافة الرئيس محمود عباس أو عودة محمد دحلان يتسع ويتعمق، وان السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي وخلافاتها وانقساماتها أصبحت في نظر الكثير من الفلسطينيين عبئاً على مشروعهم وحلمهم في إقامة دولتهم والتي يبدو أنها ولفترة مؤجلة لن تتجاوز مرحلة استحضار الذكريات والأحلام حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا!!