تذكير لطلابنا بمناسبة نتائج الثانوية العامة
د.فايز الربيع
16-02-2017 12:44 PM
دفعني لكتابة هذه المقال الصورة التي زودني بها قريبي الاستاذ حامد العبادي من أرشيف الصحف الاردنية وهي تعود لعام 63-64 والصورة تجمع اوائل المملكة لذلك العام مع جلالة الملك الراحل الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وكنت الثاني في المملكة على الضفتين .
كنت في هذه الصورة على يمين جلالة الملك – اتصل بنا أحد المراكز الأمنية وقال أن هناك دعوة من جلالة الملك – للمقابلة والغداء استنفرنا ما لدينا ، ببدلة وربطة يمكن أن نلبسها لأول مرة – وقررت أن ألبس ( الحطة ) وبما أن الدنيا صيف كانت بيضاء اللون .
تجمعنا في وزارة التربية قابلنا المرحوم ذوقان الهنداوي وكان وقتها على ما أذكر مديرا للعلاقات الثقافية والعامة ، وبما أنني كنت الوحيد الذي أرتدى الحطة ، خاطبني قائلا ، أنت الوحيد الذي تلبس الحطة ، قلت نعم ، قال هل تصر على ارتداءها ، قلت أنا وهي سواء ، هي معي على الغداء والمقابلة ، قال إذن لك ذلك .
تجمعنا في قصر رغدان وكانت الساعة حوالي الثالثة ، حضر جلالة الملك وكنت معه على المنسف ، بحق لم نفطر بعد وكنا بحاجة للأكل ولكن مجاورتي كطالب لجلالته ألهاني عن الأكل ، وبادرني بالسؤال عن الاسم والمدرسة وماذا أريد أن أدرس ، وكنت أول من سألهم ، وحضر المدير رحمه الله ، أحمد عربيات والوزير وقال لبوّا له ما يريد ، وأهدانا كل واحد قلم حبر ( باركر ) ضاع مني وأنا أركض على دوار الداخلية لألحق بإحدى السيارات .
هكذا كان اهتمام جلالته بالعلم والطلبة منذ وقت مبكر لأن الاستثمار في الإنسان هو أهم أنواع الاستثمار وقد علمني ذلك كيف أستثمر بعائلتي علمياً ومهنياً .
أقول لطلابنا ، كنا نمشى الى المدرسة في اليوم الواحد ستة عشر كيلو مترا ثمانية في الصباح وثمانية في المساء وفي الحر والبرد ، كانت المدارس فترتين؛ صباحية ومسائية ، أي يكون وصولنا كل يوم مع مغرب ذلك اليوم ، من المؤكد أن الغرف الصفية غير مدفّأة، نتغدى في ساحات المدرسة مما تيسّر ، نمارس الرياضة في الوقت الظهيرة وأحيانا نتأخر في المساء ، قلم الرصاص في الغالب هو ما نكتب به ، ليس معنا حقائب جلدية ، أغلبها من القماش ، لباسنا موحد من الكاكي ، مثل القوات المسلحة ، في الابتدائية كان البنطال حتى الركبة ، وفي الثانوية يصبح طويلاً ، هذا الزي لكل الطلبة ، نشاطاتنا متنوعة ومتلائمة مع البيئة نحضر مهرجانات الكشافة ، ونمارس الانضباط بعصي ملونة اسمها ( الصولجان ) ، هيبة المعلم لا تضاهيها هيبة ، أما المدير فهو شيء آخر من الاحترام والهيبة ، وتنفيذ ما هو مطلوب .
يجري التفتيش على الأظافر والشعر تماماً كالجنود ، نتبارى بما نحفظ من القرآن والشعر ، نكتب في الصف الثالث إعدادي موضوع الانشاء من عشرين صفحة ، ننهي ما هو موجود في المكتبة من الكتب.
تقول وزارة التربية أنها ستجعل شهادة الدراسة الثانوية العامة مرة واحدة ، كنا كذلك مرة واحدة ، نقدم اللغة العربية الورقة الأولى في الصباح والثانية في المساء ، عدد كتب اللغة العربية يتجاوز الستة كتب وكذلك الإنجليزية ناهيك عن التاريخ العربي والأوروبي وأنواع الجغرافيا والإحصاء والفلسفة ، لا نفكر بشيء اسمه الغش في الامتحانات ، أسماؤنا كانت تذاع عبر المذياع ، من إذاعة المملكة الرئيسية ، وتنشر في الصحف ، كنا ضفتين الشرقية والغربية الأول من النجاح والثاني من السلط وهكذا ، لم يكن التشعيب متوفراً في كل المدارس أقصد العلمي والأدبي ، أما الكهرباء فلم تكن متوفرة ، واحيانا حتى الكاز ، يمكن ضوء النار أو الشمع ، لم يمنعنا كل ذلك من مواصلة الدراسة ، أبنائي من هذا الجيل كل ما لديكم من وسائل متوفرة ، باصكم في باب بيتكم ومدارسكم جيدة ، ومناهجكم مقتضبه ، ووقتكم أطول ، وجيوبكم مدفأة ، ماذا ينقصكم غير الإرادة والتصميم .