العلاقة الجدلية بين المركزية واللامركزية موجودة في مجال إدارة الشركات والمؤسسات كما هي موجودة في إدارة شؤون الحكم. وتوجهات نحو المركزية أو اللامركزية تأتي عادة على التناوب. فنجد أن الإصلاحيين ودعاة التغيير ينادون بالمركزية في الأنظمة اللامركزية ، وينادون باللامركزية في الأنظمة المركزية ، على افتراض أن التغيير يعالج المشاكل والعيوب التي توجد في الشركات والمؤسسات ونظام الحكم المحلي.

لاحظت الحكومة الأردنية في وقت ما أن معظم البلديات تعاني من المديونية وسوء الإدارة وضعف الأداء ، فقررت تطبيق المركزية ، وتجميع عدة بلدات في بلدية واحدة (كبرى) ، وكان الافتراض أن المركزية هي الحل. وبعد التطبيق لم يتم حل المشاكل القائمة وبرزت مشاكل جديدة لم تكن موجودة من قبل.

بنفس المعنى ، وباتجاه معاكس ، يعتقد البعض أن المشاكل التي نعاني منها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ناشئة عن مركزية الحكومة ، حيث تتركز سلطة اتخاذ القرار في العاصمة ، فدعوا إلى اللامركزية ، باعتبار أن المواطنين المحليين يعرفون مصالح منطقتهم (محافظتهم) أكثر من الحكومة المركزية في العاصمة.

هناك من يرى أن العكس صحيح ، وأن الأردن ليس دولة كبيرة مترامية الأطراف حتى يتم توزيع السلطة لامركزياً ، وأن الزعماء المحليين لا تتوفر لهم الصورة الكلية والمعلومات الكاملة التي تسمح لهم بتحديد مصلحة البلد ، وقد يأخذون اتجاهات مختلفة أو متناقضة دون أن يأخذوا بالحساب تأثير أعمالهم على مصالح المناطق الأخرى.

هذا الخطر كبير في حالة الأردن بالذات ، حيث تختلف المناطق والمحافظات اختلافاً جوهرياً في البيئة والكثافة السكانية والموارد الاقتصادية ، فما يحدث في العقبة ليس شأناً محلياً لأنه يهم المستوردين والمصدرين في جميع المحافظات ، وإذا كان سكان منطقة معينة يهمهم تشجيع السياحة التي تشكل مورداً رئيسياً لهم ، فإن سكان منطقة أخرى لا يهمهم الأمر كثيراً.

هناك محافظات غنية أو فقيرة بالمياه والأراضي الزراعية ، وبالمناجم والمعادن ، أو بالجواذب السياحية ، وكلها نشاطات لا يمكن تطويرها إلا مركزياً لضمان التكامل بين المناطق ، وتوفير القوة المالية الكافية لتنفيذ المخططات ، فكيف يمكن التعامل مع المشاريع الكبرى من وجهة نظر لا مركزية.

يؤمل من الحكومة أن تتريث في تطبيق اللامركزية بانتظار المزيد من الدراسة والتقييم.

الرأي