"السوشيال ميديا" بين القانون والتثقيف الإلزامي
عمر عليمات
15-02-2017 10:31 AM
أوجدت القوانين لتنظيم الحقوق والالتزامات وتنظيم العلاقات بين مكونات المجتمع، ووضعت العقوبات لردع المتجاوزين ومنع التعدي على الناس وحقوقهم، إلا أن هذا لم يمنع الجريمة، لا بل على العكس تزايدت نسبها وتطورت أشكالها وأدواتها مع تطور الزمن، ومن هنا فإن القانون لا يشكل حلاً متكاملاً، ويحتاج إلى ممكِّنات تضمن احترامه والنظر إليه كمغنم أكثر منه مغرماً.
ولعل أهم ممكنات احترام القوانين التوعية والتثقيف المجتمعي القائم على أسس علمية ومنهجية ومؤسسية، لا "فزعة" و"زوبعة في فنجان"، لذا لا بُد أن تكون مؤسساتنا الوطنية وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم واعية تماماً لأهمية إدراج التوعية ضمن مناهجنا المدرسية، لخلق حالة من احترام الآخر والتفكير ملياً قبل أي تصرف قد يؤذي شخصاً بريئاً أو يغتال سمعته.
الإعلان عن أن الحكومة تعكف على دراسة قانون لوسائل التواصل الاجتماعي، خطوة متقدمة تجاه ضبط فوضى الإعلام الاجتماعي، ومنع الإساءات، ولكن في ذات الوقت علينا أن نعي تماماً أن ما نواجهه في "السوشيال ميديا" أكبر من أن يحل بنص قانوني، فالأنظمة والقوانين ـ في عرف البعض ـ وجدت لتخترق لا لتحترم، ومن هنا علينا وضع آليات مكملة لنضمن الوصول إلى الأهداف التي دعت الحكومة للتفكير في وضع قانون يضمن عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لبث خطاب الكراهية والإشاعات والفتن.
التفكير بضرورة وأهمية "محو الأمية الإعلامية" بات ضرورة ويكتسب أهمية كبيرة، وعلينا البدء من مدارسنا وجامعاتنا، لتوعية أبنائنا بكيفية التعامل مع "السوشيال ميديا" التي تبث في كل لحظة كماً هائلاً من المعلومات مجهولة المصدر، ناهيك عن تفنن بعض الحسابات في تضخيم الإشاعات والبدء بحالة هستيرية من الإساءات والقدح والذم، حتى وإن كان من بدأ النقاش يهرف بما لا يعرف، فلو تمعن كل شخص بالمعلومة التي يقرأها على حسابه الاجتماعي ومحصها قبل أن يعيد نشرها أو يضع علامة إعجاب عليها، لانحسرت دائرة انتشار المعلومة المسيئة أو الخاطئة إلى أضيق الحدود.
العديد منا تصله يومياً طلبات متابعة على حساباته الاجتماعية، والكثيرون يقبلون هذه الطلبات من دون تدقيق أو اطلاع على ما يتضمنه حساب صاحب الطلب من أفكار ومفاهيم ومعلومات، ليساهم من حيث لا يدري في الترويج لحسابات قد تحمل فكراً مدمراً للمجتمع، والفكر المدمر لا يقتصر على الفكر الإرهابي المتطرف، فهناك أفكار تحمل ذات الخطورة وتهدد النسيج الاجتماعي وتغتال الأشخاص وسمعتهم وتفكك الروابط الأسرية.
علينا أن نثقف أبناءنا ونبين لهم أن حسابات التواصل الاجتماعي ليست منصات للشتم والقدح وتبادل الإساءات، وإعادة نشر المعلومات من دون معرفة بخطورتها ودوافع ناشريها، وأن نعمل على تثقيفهم بكيفية اختيار المتابعين وتجاهل الحسابات المسيئة، ورفض متابعتها، وعدم الانجرار وراء الأخبار والترويج لها من دون تمحيص بصدقيتها وموثوقية الحسابات التي قامت بنشرها.
"محو الأمية الإعلامية" خاصة فيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي بات حاجة ملحة، تتطلب جهداً مؤسسياً يتخطى ورش العمل والبرامج التلفزيونية والمقالات الصحفية، اليوم نحن بحاجة فعلاً إلى تضمين
"محو الأمية الإعلامية" في مناهجنا التعليمية على مستوى المدارس والجامعات، وأن تكون مادة تدرس لضمان التعامل الجاد معها، فالتوعية لم تعد ترفاً بل أداة متقدمة للدفاع عن الأوطان والمجتمعات.