كان يقف على الرصيف ، يرتدي بدلة زرقاء فاخرة ،له كتلتان من الشعر تغطيان جانبي الرأس بينما مقدمة الرأس خالية تماماً وشبه مستديرة تشبه دوّار الثقافة ، «بكم داتسون» دخل الحي ثم أعطى إشارة ضوئية بمصباحيه الأماميين للرجل الأنيق فأشار إلى مكان الاصطفاف ، نزل السائق ومرافقه ، فتحا الباب الخلفي أنزلا «فرن غاز ستيل» بمساعدة أحد المارة ، بالكاد أوصلوه بسلام إلى الرصيف بسبب ثقل وزنه، شكرهم حاسبهم واستلم بعض الأوراق بيده ..ثم بدأ الرجل الأنيق يلتفت يميناً ويساراً بانتظار من «يسخّره» في حمل الغاز إلى الطابق الرابع ..في هذه الأثناء مرّ أبو يحيى بيده «دلو رايب» محاولاً قطع الشارع إلى الملبنة المقابلة..أوقفه الرجل بتودد كبير رغم رصيد العجرفة الذي كان يمارسه عليه وعلى باقي الجيران..
* الرجل الأنيق: صباح الخير حجّي..وين ؟
* أبو يحيى: كيف تا ساويتها وردّيت السلام..
* الرجل: له يا أبو يحيى..
* أبو يحيى: شو بدك احكي..؟
* الرجل: بدّي ايدك معي وتنادي شبابك بلكي شلنا هالغاز ع الرابع..
* أبو يحيى: أنت ما بتتعرّف علينا غير عند «العتالة»..مرة خزّان..مرّة غرفة نوم..مرّة ثلاجة...بس يوم تجيب سدر كنافة ،منسف..بتشيله لحالك..
* الرجل: ولو؟؟ بدنا فزعتكو سيدي..انتو النشامي..وجيرة الله أي وقت بدها تحمّر أم يحيى أي صينية تيجي عندنا ..
* أبو يحيى: طيب وين أولادك عشان يشيلوا معنا؟؟...
* الرجل: أولادي أشي ع النت واشي نايم..هظول يا خوي ما بقدروا ع القصص هاي بدها نشامى زيك وزي شبابك..و بتعرف زي ما بيقول المثل: إذا توزّع الحمل بينشال يا بو يحيى.
أبو يحيى بطيبة قلبه و»نشمنته» نادى أولاده يحيى وشلاش وشايش ليحملوا معه الفرن الثقيل ، فتحوا باب البناية أولاً، ثم رفعوا الفرن وبدؤوا بالمشي به تباعا ،بينما ظل الرجل يحييهم ،ويوزّع عليهم عبارات التشجيع ،»حي النشامى» ،»عفية عليكو»، « والله قدّها «، «أسود ،أسود ما شاء الله»، أيوه لفوق، ديروا بالكو على قزازه ترى غالي ، لا تدقّوه بالحيط، ترى إذا بنشخط مصيبة ، صعدوا الدرجات الخمس الأولى ،وهو يعطي إرشاداته..عند لفة «الشاحط» ارفعوه عن «الدرابزين» ، لأ بلاش اديكو تعرق ع «الستيل» هسع بتوسخوه، حبايبي الحمل إذا توزّع بينشال... أبو يحيى بدأ ينزف العرق من لحيته ، وبدأ السكري ينزل بشدّة، لم يعد يقوى الحجي على الحمل أكثر فطلب من أولاده أن ينزلوا الفرن قليلاً بين استراحة الدرجين..نظر إلى الرجل المتعجرف كان يضع يده اليمنى في جيبه والثانية بها بعض الأوراق..
• أبو يحيى: الحمل لا توزّع بينشال ها؟؟
• الرجل: طبعاً...مالكو وقفتوا؟؟
• أبو يحيى: وحضرتك شو شلت معنا؟
• الرجل: كيف شو شلت؟..انا شايل الكتالوج ما بيكفي !!
• أبو يحيى: بلا زغرة وين بتشتغل حضرتك؟
• الرجل: مع الحكومة!.
• أبو يحيى: أبو يحيى ..إذا مع الحكومة...لا بيكفي وزيادة...هو زيح شوي خالي..
ابتعد الرجل عن الدرج قليلاً، ووقف باب البناية..أبو يحيى وضع رجله على مؤخرة الفرن ثم دفعه بكامل قوته ليتدحرج ويتحطم من الأعلى إلى أسفل...بينما ظل الرجل مصدوماً من ردة فعل الأخير..
أبو يحيى: : علّموك(... ) شغايلهم!! ..بتخلونا نعتل المديونية وانتو بتشيلوا كتالوج النقد الدولي..
روح يا ولد جيب لي كعب هريسة من عند كرمة..وقللها تنقيه «مجغجغ»...
ahmedalzoubi@hotmail.com
الرأي