قصة "الأحمر " مع الأردنيين
د. محمد عبدالكريم الزيود
14-02-2017 12:20 AM
أقوى الألوان وأعمقها ، وأكثرها إثارة وزهوا ، كيف لا وقد أخذ لون الدم ، دم الشهداء الذين إنتفضّوا وهبّوا للدفاع عن ثرى الوطن وتلّقوا الرصاص بصدورهم العارية ، ولم يرمش لهم جفن.
هو الأحمر الذي صبغ " شُمغ " عسكرنا وهدّبته أمهاتنا " بموق " عيونهن وهنّ يودعنهم عندما غادروا شبابيك الوطن ذات صباح ماطر ، فعادوا محمولين على الأكتاف وقد أسندوا رؤوسهم عند " المثلّث الأحمر" للراية الأردنية ، وظلّ قائم الزاوية ولم ينكسر.
يمرّ " الموكب الملكي الأحمر " ، فينتظم الناس و" ويتهيّوون " كالعسكر على جانب الطريق لهيبة الملك وموكبه وحرسه ، يحيّون جلالته ولا يفرّون ولا تفرغ الشوارع كبعض الدول ، إنما يبتسم الناس ثم يكملون سيرهم بهدوء.
كنت قبل أيام في "صرح الشهيد " ، شاهدتُ طلبة مدارس يزورون الصرح العظيم ، ويلفّون الشماغ الأحمر على رقابهم ، تحتفي عيونهم "ببذلة وسترة " الشهيد البطل راشد الزيود المعروضة للزوّار هنا، وقد تجمّد دمه الطاهر على طرفها منذ عام ،وكأنه هنا بكل هيبته وبكل رائحة مسكه وحضوره ، موقف يسري في جسمك كشعريرة الزهو والفخار والحزن العميق على رجالنا.
حتى تراب بلدنا أحمر ، فمن موارس العالوك إلى كفر أسد ، ومن مروج غريسا إلى العدنانية ، ككل التراب المجبول بعرق الفقراء والحراثين ، أحمرٌ كحب ّ الرمان يشبه وجوه أمهاتنا اللواتي بهرب الدم خجلا فتضيء حمرة وحياء ودفئا ، يعتمرن " السلك الأحمر" وينتظرن على الشبابيك كل مساء حتى يعود راعي البيت أو ولدا ذهب إلى معسكره أو جامعته.
هو الأحمر المنثور في دحنون بلادنا لم يأتِ صدفة، وأتى لونه زاهيا لأنه يحمل تاريخ الأردنيين من الشهادة والتضحية ، الذين ساروا فوق هذا التراب ،ومن دماء حنّا المعمدان إلى دم قادة مؤتة واليرموك ومئات الصحابة الذين ناموا تحت الزيتون والتين ، هو نفس دم شهداء الكرامة وحرب الإستنزاف والحوادث والركبان والبقعة.
الأحمر له قصة مع الأردنيين ، وهو يمثل لنا رمزا للتضحية والشهادة والزهو ، فلا تختصروا كتفيه وتخجلوه بأن تجعلوه عيدا للعشاق ، ووردا يباع على الإشارات الضوئية ،وتنسوا أنه يمثل تاريخ وبطولات وهوية ورجال ودماء وعشق لوطن لن ينتهي ولن ينكسر .