الفتاةُ كانت تقفُ في طابورٍ لمطعم مُثلّجات في عبدون. اقترب منها شابٌ وتحرّشَ بها جسديّاً. أبلغتْ صاحبَ المحل، وتوجّهت إلى كشك قريبٍ للشرطة، فألقيَ القبضُ على المتحرّش. محكمةُ الجنايات الكبرى دانته أمس بتهمة "هتك العرض"، وحكمتْ عليه بالسجن أربع سنوات، مع الأشغال الشاقة. لكنّ الفتاةَ أسقطتْ حقها الشخصي، فانخفضت العقوبة إلى الحبس عامين.
الفتاةُ لم تبتلع الإهانة. رفضتْ أنْ تكونَ ضحيّةً صامتةً ومقهورة، مثلَ كثيرات. تصرّفت بكبرياء، وواجهت المعتدي، وزجّت به في السجن، ووجدت دعماً من الأمن والقضاء والقانون. لكنْ لاحظوا ما وراء الخبر:
• هذه الفتاةُ الشجاعةُ والذكية ما كانت لتخوضَ هذه المعركة الصعبة، ثمّ تُسقط حقّها الشخصيّ، فهي تريدُ أنْ تكونَ مثالاً للمواجهة، وليس الانهزام.
• الفتاة قويّة وصلبة، ولو كانت تريدُ التنازل عن حقّها الشخصيّ، لما توجّهت إلى الشرطة، والقضاء، فهي خاضت المعركة، دفاعاً عن حقّها وكرامتها.
• لا شكّ أن ضغوطاتٍ اجتماعية كثيرة مُورست عليها من العائلة الصغيرة، والممتدة، ومن الأقارب والعشيرة، وجرى ابتزازها عاطفيّاً بأنّه "شاب ولديه مستقبل. والله يلعن الشيطان. وكل واحد بغلط. والمسامح كريم، وأنت أخت رجال..".
وما إلى ذلك من وساطات وجاهات، فاضطرت إلى إسقاط حقها الشخصيّ، وسمحت له بأن يبقى عامين طليقاً، وربّما تحرّش بأخريات.
الأمنُ والقضاءُ والقانونُ في هذه الحالة تحديداً متقدّمٌ على مجتمعٍ، يلعنُ الشيطانَ، ويسمحُ له أنْ يمدّ يده إلى جسد فتاة غافلة، كانت تريدُ أنْ تشتري بوظةً، وتعودُ إلى منزلها، بهدوء.