في اللقاء الصباحي بين رئيس الجمعية العالمية لعلماء الاجتماع الدكتورة مارجريت ابراهام وثلة من اساتذة علم الاجتماع في الجامعات والمؤسسات الاردنية دار حديث موسع حول وظيفة العلم في فهم التغير الاجتماعي واتجاهاته وما تحدثه التحولات من اثار على البنى والوظائف والعلاقات والظواهر الاجتماعية .
الاساتذة والباحثون الذين حضروا اللقاء عرضوا لواقع العلم ونظرة المجتمع والعوامل التي قلصت من اهمية العلم في تفسير التحول والعلاقات والمشاكل التي تعاني منها مجتمعات الاقليم والعربية منها بشكل خاص.
القدرية التي تهيمن على العقل العربي ورغبة السلطات وصناع القرار في اقصاء العلم عن الظواهر والتفاعلات والانشطة السياسية وشيطنة من يحاول التحليل والنقد للواقع ملمح من ملامح التحديات التي تواجه علم الاجتماع الذي ابتعد او ابعد اعلامه الاقدر على التشخيص وربما التفسير للواقع واقتراح السياسات والبرامج التي تسهم في احداث الوعي الضروري للتنظيم والبناء الضروري للخروج من حالة الفوضى والقلق التي يعاني منها المجتمع ويستفيد منها المحسوبون على العلم والجاهزون لإصدار الفتاوى والتبريرات المرغوبة في كل الاوقات.
في الملاحظات التي ساقتها الدكتورة ابراهام الكثير من المنطق وفي الاستجابات التي ابداها الزملاء الكثير من الاثارة، فقد غاب علم الاجتماع العربي عن دوره في انتاج المعرفة في ميدان علم الاجتماع وظلت مشاركة الاساتذة العرب محدودة مقارنة بالأساتذة من المجتمعات الغربية والاسيوية واللاتينية.
بالرغم من اننا لا نعرف الاعداد الحقيقية لمن يحملون الدكتوراه والماجستير في علم الاجتماع ولا ميادين اختصاصاتهم الدقيقة وانجازاتهم البحثية لتعثر محاولات انشاء جمعية علمية لهم وانشغال غالبيتهم بالبحث عن مصادر رزق اضافية في التعليم او خارج اطار التعليم الا ان ذلك لا ينفي وجود رغبة عميقة لدى العشرات منهم لتأسيس كيان تنظيمي على هيئة رابطة او جمعية تتولى متابعة شؤون المعرفة وتنظيم الفعاليات والانشطة التي تسهم في تنشيط التواصل وتبادل المعرفة بين اهل الاختصاص الواحد محليا وعالميا.
اللقاء المطول الذي ضم اساتذة من ثلاثة اجيال شكل مناسبة ثمينة للتباحث في الواقع والتحديات وطرحت من خلاله العديد من المقترحات التي قد تكون ارضية لانطلاقة جديدة للجمعية الاردنية لعلماء الاجتماع التي ولدت ضعيفة في تسعينيات القرن الماضي واعيد اطلاقها قبل اعوام دون ان تحظى بإقبال كاف من الاساتذة او ان تقوم بما يتطلع له المختصون والمجتمع من نشر للوعي وتحقيق الفهم وتنشيط البحث والاسهام في مسيرة العلم بصفته منتج حضاري انساني يساعد على فهم الانسان للسلوك والظواهر داخل وخارج حدود المكان الذي نشأ فيه.
المؤتمر القادم للجمعية العالمية لعلماء الاجتماع والمنوي تنظيمه في تورينتو كندا بحضور 5000 عالم من مختلف ارجاء المعمورة مناسبة لمشاركة علم الاجتماع الاردني بأطروحات وابحاث جديدة في مجالات اصبحت تحظى باهتمام عالمي.
في حديث الجيل الاول من الاساتذة الذين شهدوا تأسيس اقسام علم الاجتماع في الاردن والكويت والامارات العربية المتحدة عن حقبة علم الاجتماع الوظيفي الذي سعى الى الوصول الى الفهم والتفسير مسترشدا بنظريات الرواد والاباء المؤسسين للعلم ( دوركايم . فيبر , ماركس ,بارسونز وغيرهم) محطة من محطات اهتمام الحقل الذي اصبح يهتم اليوم بالعولمة والشباب والتكنولوجيا والهوية والجندر وغيرها من القضايا التي اصبحت تشغل العالم الذي اصبحت جل مجتمعاته افتراضية تتشكل خارج حدود المكان ولا تتوقف عن تحطيم كل القواعد والقيود التي قد يفرضها الزمان.
في العصر الذهبي لعلم الاجتماع كانت نظريات علماء الاجتماع ونتائج ابحاثهم وتوصياتهم القواعد التي استندت لها برامج الحرب على الفقر War on poverty و War on Crime التي تبنتها ادارة الرئيس لندون جونسون كأحد اهم توصيات اللجنة الرئاسية التي شكلها من علماء الجريمة وعلماء التربية والاجتماع لإصلاح الواقع الاجتماعي الاقتصادي في الولايات المتحدة عام 1967.
اليوم يناضل علماء الاجتماع من اجل ان يستمع لهم من قبل صناع القرار الذين فضلوا الاستماع لمن يحسن لهم الصورة ويستخدم سيلا من الاوصاف والمفردات في غير مكانها لتتردى مستوى العلاقة بين المواطن والمسؤول ويقع الاول ضحية لسيل من السياسات التي لا يفهم مبرراتها ولا دوافعها ويصبح الثاني موضعا للنقد واللوم والتجريح دون ان يدرك ان السبب الاساسي يتمثل في غياب الاتصال ووضوح الاهداف وتدني مستوى التنسيق والانسجام بين الوحدات المسؤولة عن الادارة والاتصال والتنفيذ.
الدكتور سالم ساري وابراهيم عثمان ومحمد برهوم ويحيى حداد من قدامى علماء الاجتماع الذين طافوا الفضاء العربي وجدوا فرصة اليوم للقاء اعداد من الشابات والشباب الذين تلقوا تدريبهم وتعليمهم في أواخر القرن الماضي والعقود الاولى من القرن الحالي وعملوا في مؤسسات اكاديمية وغير اكاديمية لا تعطي اهمية كبيرة لعلم الاجتماع واسهاماته، فمنذ ثورة الخميني وظهور الصراع الطائفي في المنطقة العربية اصبح الخليج العربي مركزا حضريا ندور في فلكه فتوقفت عجلة التقدم الفكري واستسلمنا للعبة سباق التأصيل الذي سلبنا الكثير واسقط مجتمعاتنا في يد القوى التقليدية وأضلعها المتنوعة.