وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر
سليم المعاني
01-11-2008 02:00 AM
الاول من نوفمبر ... أو تشرين الثاني ليس يوما عاديا في التاريخ المعاصر ... انه يشكل علامة فارقة في الوجدان العربي من حد الماء الى حد الماء .. انه تاريخ انطلاق الثورة الجزائرية المجيدة عام 1954 التي آلت في النهاية وبعد جهاد بطولي خاضه الجزائريون الابطال ضد قوى الاستعمار الفرنسي الى توقف القتال في التاسع عشر من آذار – مارس بناء على اتفاقية // إيفيان // وجرى في الاول من تموز / يوليو استفتاء شعبي ..
فصوّت الجزائريون لصالح استقلالهم .. ليتحقق حلم التحرر والانعتاق من ربقة عبودية الاستعمار الذي دام 132 عاما بعد ان صعدت ارواح مليون ونصف المليون شهيد جزائري الى بارئها ثمنا لحريتهم الممهورة بدمائهم الزكية . قبيل استقلال الجزائر كان نضالنا الشعبي نحن المشارقة عامة وفي الاردن خاصة يتمثل بتقديم كل الدعم الممكن لثوار ومجاهدي الجزائر الابرار ... منذ بواكير الطفولة ...
كنا نصطف في طابور الصباح بمدرسة موسى بن نصير بحي المهاجرين : محمد طاهر الشنطي ... وصادق عبد اللطيف الحناوي ... وكاتب هذه السطور ... مع بقية الطلبة وبعد سماع آيات بينات من القرآن الكريم ... نبدأ نصدح بأعلى صوتنا بانشودة شاعر الثورة الجزائرية // مفدي زكريا // التي نظمها خلال اعتقاله بسجن بربروس في الزنزانة رقم 69 بالجزائر ؛ ولحنها الموسيقار المصري // محمد فوزي // : قـــسما بالنازلات الـماحقات والـدماء الـزاكيات الطـــاهرات والبــنود اللامعات الـخافقات في الـجبال الشامخات الشاهقات نحن ثــرنـا فحــياة أو مـمات وعقدنا العزم أن تـحيا الجـزائر فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا ولا زلت اذكر اننا كنا نهتف بكل ما أوتيت طفولتنا البريئة من قوة عندما نصل الى اللازمة // فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا // فتنتفخ اوداجنا ويخيل لنا ان صدى اصواتنا وصلت مسامع الثوار وقادة الجهاد في مناطق عملياتهم الخمس الأوراس بقيادة مصطفى بن بولعيد والشمال القسنطيني بقيادة ديدوش مراد والقبائل بقيادة كريم بلقاسم ومنطقة الوسط بقيادة رابح بيطاط والغرب الوهراني بقيادة العربي بن مهيدي ... وبعيد ان ننهى نشيدنا وتضامننا اليومي مع الجزائر ... تأتي الفقرة الثالثة من برنامج الصباح ... فيوعز الاستاذ المناوب لصديق الطفولة محمد طاهر الشنطي ليشدو لنا بصوته الشجي قصيدة // أخي جاوز الظالمون المدى // للشاعر الكبير // علي محمود طه // ولحنها وغناها الموسيقار الكبير // محمد عبد الوهاب // ... أخي ، جاوز الظالمون المـدى /// فحقَّ الجهادُ ، وحقَّ الفـِدا أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبــةَ /// مجد الأبوَّةِ والســـؤددا؟ وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيـوفِ /// يُجيبونَ صوتًا لنا أو صدى فجرِّدْ حسامَكَ من غمــدِهِ /// فليس لهُ، بعدُ، أن يُغمـدا أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ /// أرى اليوم موعدنا لا الغـدا أخي، أقبل الشرقُ في أمــةٍ /// تردُّ الضلال وتُحيي الهُـدى أخي، إنّ في القدسِ أختًا لنـا /// أعدَّ لها الذابحون المُــدى صبرنا على غدْرِهم قادرينــا /// و كنا لَهُمْ قدرًا مُرصــدًا طلعْنا عليهم طلوع المنــونِ /// فطاروا هباءً ، وصاروا سُدى أخي ، قُمْ إلى قبلة المشرقيْـن ِ/// لنحمي الكنيسة والمسجـدا أخي، قُمْ إليها نشقُّ الغمـار َ /// دمًا قانيًا و لظى مرعــدا ...
وما ان ينهي " الشنطي " من القاء القصيدة ... حتى تبدأ طوابير الطلبة بالدخول الى صفوفها وقد شحنت بأعلى مستوى من الانتماء القومي العروبي ... ففلسطين والجزائر وكل بقعة من بقاع الوطن العربي الرازح تحت نير الاستعمار قضيتنا بالرغم من طفولتنا ... وكان حلمنا يزداد بهاء وجمالا يوما بعد يوم بالوحدة والحرية ... وفي داخلنا ان مسألة تحرر الوطن العربي ووحدته ما هي الا مسألة وقت ليس الا !! لا زلت اذكر ايضا ان شقيقتي التي كانت تكبرني بسنوات وهي في المرحلة الاعدادية ـــ آنذاك ـــ عادت ذات يوم من مدرستها فلاحظت والدتي رحمها الله ان قرطها الذهبي ليس في اذنيها ... فسألتها اين هو ؟ فأجابت دون تردد " لقد اعلنوا في المدرسة ان اليوم سيخصص للتبرع لصالح الثورة الجزائرية فلم اجد ما اتبرع به الا قرطي ... بالرغم من فقرنا المدقع ... وُجِدت خطوة شقيقتي كل ثناء من افراد الاسرة . هكذا كنا نعيش يومنا ... وكل ايامنا مع قضايانا العربية وهمومنا العربية من المحيط الى الخليج وعندما انتجت السينما المصرية فيلم // فلتحيا الجزائر // بطولة احمد مظهر وفاتن حمامة ... يروي قصة كفاح شعب الجزائر الابي ... وتناول نضال المجاهدة // جميلة بوحيرد // وعرضت دار سينما الاردن الفيلم ... توافد الالوف من ابناء الاردن الى العاصمة لمشاهدة الفيلم حبا بالجزائر وبالجزائريين ... واصبحت تذاكر الدخول تباع بالسوق السوداء ... واستمر العرض عدة اشهر .. كانت اسماء فرحات عباس ورفاقه الثوار ... واسماء جميلة بوباشا وجميلة بوحيرد تثير مشاعر الاعتزاز القومي فينا . كان يوم الخامس من يوليو / تموز 1962 يوما لا ينسى على الاطلاق ... ففي ذلك اليوم تمّ تعيين أحمد بن بيللا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها فانطلقت الجماهير العربية في الاردن وفي كل الاقطار العربية في مظاهرات عارمة تأييدا للجزائر ومشاركة للجزائريين فرحتهم بالاستقلال والحرية .
وبعد اربعة وخمسين عاما من ثورة نوفمبر المجيدة ... نلمس ان الجزائر تتجاوز التحديات بثقة وأمل كبيرين ... فالمديونية التي كانت تثقل كاهل الجزائريين شعبا وحكومة بدأت بالانحسار التدريجي وهي في طريقها الى زوال كما وعدت القيادة السياسية في الجزائر ونأمل أن يتحقق ذلك مع نهاية العام القادم 2009 . ولا يخفى ان الاقتصاد الجزائري شهد استقرار واضحا خلال السنوات الاخيرة فانخفضت المديونية وارتفعت نسبة النمو وتراجعت حدة البطالة نسبيا ؛ في الوقت ذاته هناك التزام بتشجيع الاستثمارات الأجنبية مستقبلا من خلال تذليل العراقيل البيرقراطية، وإنشاء 100 ألف مؤسسة جديدة ومليون سكن و200 ألف وظيفة.
أملنا كبير في ان يتمكن نظام الحكم في الجزائر من انهاء ملف القبائل بما يتواءم مع مصلحة الوطن الجزائري كافة ... اننا في المشرق العربي عامة وفي الاردن خاصة نشعر بأسى كبير للارهاب الذي تمارسه فئة خارجة عن الدين والقيم والشرائع السماوية في الجزائر الحبيبة بلد المليون ونصف المليون شهيد ... ولا نستطيع ان نستوعب كيف يقدم انسان على قتل مواطنه دون ذنب انما القتل من اجل القتل فقط ؟؟ كل الدعم والتأييد للجزائر في مكافحتها للمارقين والخارجين على كل القيم والشرائع آملين ان يثوبوا الى رشدهم ويعودوا الى الاحتكام للعقل ... ويمضوا في بناء جزائر الغد .. جزائر الامل ... جزائر الوحدة والمحبة والوطن الواحد لكل الجزائريين الاحرار الذين حققوا معجزة استقلال وطنهم بعد 132 عاما من الاستعمار . وأخيرا ... وكما كنا ... ولا زلنا ... ننشد وباصرار كبير : // وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر ... فاشهدوا ... فاشهدوا ... فاشهدوا /// ssakeet@hotmail.com