لا يخضع القرار السياسي في الاردن، لما تريده داعش، وكلما ارتكبت داعش جريمة في الاردن، يظن البعض ان تغييرات سياسية وامنية، ستحدث لاحقا، وكأن اصحاب هذه النظرية، يقولون ان داعش هي التي سوف تقرر في الاردن، وهذه خفة كبيرة، ولربما عز نظيرها.
في تفجيرات عمان، رحلت حكومة د . عدنان بدران، وتلك كانت حالة خاصة لها ظروفها، لكننا اليوم، امام مشهد آخر، اذ ليس ممكنا كلما حدث خرق امني، جراء افعال داعش، ان تنهمر الاصوات حول ضرورة تغيير عشرات الاسماء، والذين يقولون هذا الكلام، لا يتنبهون الى ما هو أخطر، اي انه من المستحيل اجراء تغييرات بعد كل جريمة، بمعنى تحقيق الاثر الداخلي الذي يريده التنظيم في الاردن، ولا يعقل ان تقرر هنا داعش، بشكل غير مباشر، اي تغييرات في الاردن!.
من جهة ثانية فإن ما لا يعرفه كثيرون، ان هناك عشرات العمليات التي تم افشالها للتنظيم في الاردن، سواء مباشرة، او عبر عناصر كامنة في الاردن، او عبر محاولات تسلل، وعلى هذا فإن اي خرق يحدث، يأتي فرديا ومعزولا، ولا يعبر عن سلسلة خروقات متصلة، بل يأتي وحيدا، ومقابله عشرات العمليات التي تم افشالها، ولم يتم الاعلان عنها.
على هذا لا يمكن لصاحب القرار، ان يتوقف عند مغزى عملية للتنظيم، ويتناسى كل عمليات الصد التي جرت ضد جرائم اخرى، اذ ان هناك ميزانا سياسيا وامنيا، يقرأ كل شيء بدقة، بما في ذلك احتمال حدوث عمليات او خروقات خلال العام الجاري.
الدول الكبرى والعظمى، وذات الامكانات، مثل اميركا وفرنسا وغيرها من دول، ومهما بلغت احتياطاتها، تتعرض الى عمليات كل فترة، ولا يمكن في هكذا مناخات، ان تتم قراءة الحوادث اليوم، بطريقة انفعالية، والرد عليها، عبر تقديم هدية لداعش، من خلال اظهار رد فعل متسرع، او خلخلة المؤسسات، فهذا كل ما يريده التنظيم ايضا،اي القول، انه بات صاحب القرار في الاردن.
مناسبة الكلام، ان هناك اراء تتردد بين وقت وآخر، تضع المسؤولية في هذه الحوادث على اسماء محددة، واذا كانت هناك اخطاء وقعت، كما رأينا في عملية الكرك الارهابية ، فإن المسؤولية تبقى محددة جدا، ولا يجوز سحبها على كل المؤسسات والاسماء، لاننا بهذه الطريقة سنقول ان داعش زلزلت بنية الدولة، وتسببت بتغييرات على مواقع هامة، وهذه كارثة بحد ذاتها.
يضاف الى ما سبق، ان القراءة الكلية، للمشهد السياسي والعسكري والامني في الاردن، قراءة معقدة، وحافلة بتفاصيل كثيرة، ولا يمكن اخضاعها، لتصور من زاوية محدودة، او لرد الفعل، فالذي يفترض ان مسؤولا ما سيرحل لان حادثة ما جرت، لا يعرف ان هذا المسؤول سيبقى لاعتبارات اخرى اهم، والذي يفترض ان مؤسسة سيجري عليها تغييرات، لايعرف ان كلفة التغييرات، اكبر بكثير من كلفة السبب الذي يروج له ، باعتباره سبب التغيير.
في تقييمات رسمية، فإن هناك اخطاء حدثت تتعلق بالتنسيق بين بعض المؤسسات على خلفية محاربة الارهاب، وهي اخطاء فنية، تمت معالجتها لاحقا، برفع مستوى التنسيق الفني من جهة، اضافة الى تفعيل مجلس السياسات الذي يناقش اسبوعيا كل الملفات الهامة، والواضح ان مركز القرار بعد جملة حوادث، استجاب لتداعيات الحوادث بطريقة مختلفة، لم تتورط في ردود الفعل، بمعنى اقالة هذا وذاك، بل عبر سد الثغرات، معالجة اي وجه خلل.
الواضح في عمان الرسمية، ان هناك اصرارا، على ان لا تتحول داعش الى صاحب القرار في الاردن، وعلى هذا فان اي خروقات للتنظيم في الاردن، لن تؤدي بهذه السهولة الى تغييرات متعددة، لان التغييرات في تلك اللحظة، ستثبت ان داعش هي التي تقرر، وهذا ما يتم تجنبه اليوم،ولا يمكن هنا، ان نعتبر ايضا، ان بعض التغييرات المحدودة التي جرت، مقدمة لتغييرات ثانية، بقدر كونها، معالجة محدودة ومساوية في التقدير، للكلفة المفترضة، جراء الاخطاء.
فرق كبير بين القرار الذي يتخذه صاحب القرار لاعتبارات مختلفة، وبين ان يقرر الخليفة البغدادي ويصير صاحب القرار في الشؤون الاردنية.
الدستور