المنافسة خطوة نحو تحقيق النمو الاقتصادي
د. هيثم أبو كركي
08-02-2017 02:52 PM
تعد سياسة المنافسة من أهم الأدوات التي يمكن للحكومات استخدامها لتعزيز كفاءة الأسواق و تنشيط حركة العرض و الطلب و معالجة أي إخفاقات اقتصادية قد تطرأ على نشاط الأسواق، و هي أداة أساسية يمكن استخدامها للجم اندفاع بعض الأطراف في السوق في سبيل زيادة مكاسبهم المادية بشكل لا يتفق مع قانون المنافسة .
و يمكن تعريف سياسة المنافسة بأنها سياسة حكومية تشتمل على تدابير تؤثر بشكل مباشر على سلوك المؤسسات و هياكل الصناعة والأسواق بهدف الحفاظ على مستوى المنافسة في الأسواق من خلال مراقبة سلوك المؤسسات في السوق و التصدي لأي ممارسة مخلة بالمنافسة، حيث تهدف سياسة المنافسة - في الإطار العام- إلى تعزيز بنية تنافسية تشمل جميع أسواق السلع و الخدمات بشكل يمكّن جميع المستهلكين الذين يحتاجون إلى سلعة أو خدمة معينة من الحصول عليها بالسعر الذي يعكس التكلفة الحقيقة.
و قد تضمنت وثيقة الأسباب الموجبة لسن قانون المنافسة الأردني ( رقم 33 لسنة 2004) أهدافا متعددة ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية، من ضمنها حماية المنافسة، ترسيخ اقتصاد السوق و تعزيز انصهار الاقتصاد الأردني في الاقتصاد العالمي بما يخدم المصالح الوطنية و بما يتفق مع التزامات المملكة الدولية و خاص على مستوى التجمعات التجارية الإقليمية و العالمية التي انضمت لها، وتحقيق بنية السوق التنافسية، و من ناحية اجتماعية حماية جميع المشاركين في السوق بما في ذلك المستهلكين، وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات الوطنية وتعزيز المشاريع الصغيرة.
كما و تهدف سياسة المنافسة لإدامة الكفاءة في أداء الأسواق وفقا لقوى العرض و الطلب الطبيعية بشكل يكفل استمرارية إشباع الحاجات، و خلق مناخ مناسب لبيئة الأعمال بشكل يؤدي إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية الوطنية من خلال ضمان كفاءة تخصيص الموارد، مما يؤدي إلى توفير إمدادات كافية للمستهلك، وتحسين جودة المنتجات والخدمات.
وتتحقق الكفاءة الاقتصادية بالاستخدام والتخصيص الفعّال للموارد الاقتصادية المختلفة. حيث تساهم المنافسة في دفع الشركات إلى تحسين جودة و كفاءة السلع و الخدمات المقدمة إلى المستهلكين بشكل يؤدي إلى تحفيز الشركات على إجراء البحوث العلمية لتلبية احتياجات العملاء.
إضافة إلى أن المنافسة تشكل ضمانة لحماية المستثمرين وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من التأثيرات السلبية لسيطرة المؤسسات ذات الوضع المهيمن ومن كل الممارسات المقيدة لحرية النشاط الاقتصادي بشكل يكفل للجميع العمل في بيئة اقتصادية سليمة تساعد الجميع على تحقيق النجاح.
حيث تفرض سياسة المنافسة على سلوك المشاركين في السوق نوعا من التنظيم بشكل يمنعهم من محاولة زيادة قوتهم في السوق على المستوى الفردي أو الجماعي من خلال سلوكيات تعد مخالفة للمنافسة، كما و يراقب قانون المنافسة عملية اندماج الشركات التي يمكن أن ينتج عنها وضع مهيمن بهدف الوقاية من إساءة استغلال الوضع المهيمن كإجراء استباقي.
و قد كان آدم سميث من المحذرين من أن ازدياد القوى السوقية بشكل مفرط غير مراقب سيؤدي إلى الاحتكار، و لذلك تسعى قوانين و سياسات المنافسة في الدول إلى التحوط بمنع زيادة القوة السوقية بشكل مفرط يمكن أن يخلق أوضاعا احتكارية على المستوى الجماعي مثل الاتفاقات و التحالفات المخلة بالمنافسة و على المستوى الفردي مثل أساءه استغلال الوضع المهيمن بشكل يضر المتنافسين بالسوق أو يعمل على إقصائهم منه أو منع دخولهم إليه.
و من هنا نجد أن قانون و سياسة المنافسة تسعى للموازنة بين مصلحة وجود المنافسة في السوق و بين مصلحة تحقيق النمو الاقتصادي، فمن جهة قد يكون للتعاون ما بين الشركات آثار ايجابية تساهم في تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة الكفاءة الإنتاجية بما ينعكس على صافي الأرباح و بالتالي على الضرائب و يزيد من حجم دورة التدفق المالي في الاقتصاد ككل.
إلا أن قوانين المنافسة تحرص من جانب آخر على منع أن تكون زيادة الأرباح ناتجة عن سلوك مخل بالمنافسة الأمر الذي سينعكس سلبا عاجلا أم آجلا على جميع عناصر العملية الاقتصادية و دورة الإنتاج، حيث أن تركيز القوة السوقية في يد جهة أو فئة واحدة تؤدي إلى خسائر على المدى الطويل نتيجة لانعدام الكفاءة التخصيصية والإنتاجية مما سينعكس على محدودية خيارات المستهلك إضافة إلى غياب حافز التطوير و الابتكار لتطوير جودة السلع و الخدمات المقدمة.