الأردن وسوريا .. مغادرة المنطقة الرمادية!!
د. زيد نوايسة
08-02-2017 11:23 AM
دون أدنى شك دخل الأردن عام 2017 بجملة تحولات في المشهد المحلي والإقليمي والدوليَ تستدعي التحرك بفعالية على كل الصعد؛ لأن غيابه يعني بالضرورة حدوث فجوة استراتيجية قد تؤثر على دوره اذا ما دخلت المنطقة في مسار التسويات الكبرى التي لا يستطيع أن يكون بعيداً عنها لأن ذلك يعني أنه سيستمر في دفع أكلاف الصراعات التي فرضتها عليه الجغرافيا السياسية؛ سواء كان ذلك الصراع المركزي والجوهري في فلسطين والذي يشعر الأردن بمسؤوليته التاريخية نحوه والصراع الدموي في سوريا والانقسام السياسي والطائفي في العراق وفوق ذلك الإرهاب التكفيري وعنوانه الرئيسي داعش والنصرة التي ضربت في العمق الأردني وخرجت من حالة الاكتفاء بالتهديد لتضرب مباشرة عبر أدواتها المحلية وجاءت العملية الإرهابية في الكرك بداية العام لتؤكد ذلك والحديث يجري دون تصريح رسمي أن الأردن أجهز على العديد من العمليات الإرهابية في مهدها!!
في تقديري أن الأردن قرر أن يخرج من الدائرة الرمادية التي فرضتها قواعد اللعبة السياسية منذ بدء الأزمة السورية والتي مكنته من الالتزام بالقرارات الأممية والعربية دون أن يذهب بعيداً في القطيعة مع النظام السوري بالرغم من تبعات ذلك اقتصاديا على صعيد وقف التجارة عبر سوريا وتبعات اللجوء السوري اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، فطبيعة العلاقات مع المحور العربي وتحديداً الخليجي الذي قاد مسار عزل نظام الأسد بالتوافق مع الحليف الأمريكي والتوابع الأوروبية والتعاطف الشعبي والتجييش الذي قاده تيار الأخوان المسلمين الذي لا يملك كبير ود نحو النظام السياسي الأردني في الأصل وأن مارس التقي السياسية كعادته لم تعطي الأردن الرسمي مساحة أفضل للتحلل من تلك الالتزامات ليس من اجل نظام دمشق ولكن لاعتبارات مصلحية أردنية مشروعه يدركها عقل الدولة السياسي بدقه. ولكن تطورات المشهد في سوريا بعد أن تمت استعادة حلب والشروع في مسار وقف أطلاق النار وفصل التنظيمات الإرهابية وصولاً الى أستانا 1 والتوافق الروسي التركي الإيراني بعد إعادة التموضع التركي التي يمكن القول أنه التحول الاستراتيجي الثاني بعد عاصفة السوخوي الروسية أواخر العام 2015 والذي أعاد رسم التحالفات بشكل جديد لا يستطيع الأردن أن يبقى بعيداً عنها لأن ذلك يعني خسارة استراتيجية كبرى.
وفي هذا السياق يمكن القول ان العلاقة الأردنية الروسية التي لم تشهد عبر كل تاريخها مثل هذا التفاعل والتقارب في مجمل القضايا الإقليمية والتي ساهمت بتحييد الجبهة الجنوبية – شمال الأردن – ويسرت بجهد أردني موافقة العديد من التنظيمات والفصائل المسلحة التوقيع على الهدنة ووقف إطلاق النار الذي يأمل الأردن أن يكون دائماً وهو الأمر الذي أستدعى أن يكون الأردن مراقباً في الجولة الثانية من استانا في السادس من شباط/2017. ولعل العملية العسكرية الجوية يوم الخامس من شباط /2017 يضرب قواعد داعش ومعسكراتها جنوب سوريا هي التجسيد العسكري عملياً للانخراط بشكل مباشر وبتنسيق مع الجانب الروسي والسوري الرسمي ضمنياً. فعملية بهذا الحجم تستدعي تقنياً وعسكرياً التواصل مع الطرفين الفاعلين في الجنوب السوري كما يقول العسكرين، فالأردن لا يملك خيار الانتظار امام تعاظم نفوذ داعش في مناطق درعا وقرى حوض اليرموك من خلال ما يسمى جيش خالد بن الوليد والذي سبق وحذر منه قائد الجيش الأردني بصراحه وبالتالي لا بد من الضربة الاستباقية فالكثير من قوام هذا التنظيم البشري هم أردنيون تكفيريون انخرطوا مبكراً في الصراع السوري ولم يعد خيار الاعتماد على الفصائل التي ترتبط بعلاقة تنسيقية مع الأردن كبعض فصائل الجيش الحر وجيش سوريا الجديدة وقوات العشائر السورية قادراً على صد تمدد وخطورة هذا التنظيم الإرهابي وإن كانت ساهمت في مشاغلته في فترة زمنية ولكنها اليوم منقسمة على نفسها بفعل تعدد مرجعياتها الإقليمية التي ربما لا يكون الأمن على الجانب الأردني من أولوياتها؛ لا سيما وأن الأردن الرسمي يدرك أن انكفاء داعش في العراق بفعل النجاحات التي تتحقق وتقدم القوات السورية نحو معقل داعش الأخير في منطقة الباب حلب واستمرار الإنجازات العسكرية للقوات الكردية وجيش العشائر نحو مدينة الرقة يعني بالضرورة أن هذا التنظيم قد يتمدد عبر صحراء تدمر وبادية الشام وصولاً لمنطقة التنف الحدودية مما يشكل خطراً لا يمكن التهاون أمامه، بالتالي فأن الخيار الاستراتيجي هو الاستمرار بالعمل العسكري والاستخباري سواء تم الإعلان عنه أو لم يعلن واليقين هنا أن الأردن ينطلق من أن الحرب على داعش لن تكون قصيرة وليست ضمن نطاق جغرافي محدد بل هي تمتد لتشمل المنطقة والعالم ويبدو أن من ضمن ما تسرب من لقاء الملك عبد الله الثاني مع مجموعة من الإعلاميين في القصر الملكي بعمان أن نهاية شهر شباط/2017 سيشهد ولادة تصور مشترك مع الروس والأمريكان لآلية التعامل مع التنظيمات الإرهابية !!
يمكن القول أن الأردن اليوم يعزز من التحالف مع الشريك الروسي بشكل أكبر وهو على ثقة ان الروس حريصون على وضع الأردن بالتفاصيل في المشهد السوري والتنسيق معه في الجبهة الجنوبية عسكرياً ومعنيه بتواجد الأردن في مجريات الحل السياسي في جنيف كطرف مهم وليس مجرد مراقب، وهو بنفس الوقت يتحرك كشريك وحليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومحط أجماع من كل الإدارات المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية وعبر اكثر من ستة عقود، وليس أدل على ذلك سرعة التواصل الأردني من خلال زيارة الملك عبد الله الثاني للولايات المتحدة الامريكية بعيد وصول الرئيس الجمهوري الإشكالي دونالد ترامب للبيت الأبيض من خلال الزيارة غير المقررة أصلاً وهو أول زعيم أجنبي بعد رئيسة الوزراء البريطانية في أول عصف واشتباك سياسي مع الإدارة الجديدة والاطلاع عن قرب على رؤيتها في الملفات الأساسية التي تعني الأردن وأهمها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقضية الاستيطان ومسألة القدس ومآلات الصراع في سوريا والحرب على الإرهاب والتمييز بين الحركات التكفيرية الإرهابية والإسلام الحقيقي، كما تتصدى عمان لحمل مشروعه من خلال عدة مبادرات، بالإضافة لمستقبل العلاقات الثنائية والدعم الأمريكي للاقتصاد الأردني الذي يواجه تحديات متعاظمة.
بات الأردن متأكداً على ما يبدو ان التوافق الروسي الأمريكي على محاربة الإرهاب قطع شوطاً بعيداً وهو ما يوفر له قاعدة مهمة لمحاربة الإرهابيين دون هوادة وتؤمن له بنفس الوقت المحافظة على مصالحه الوطنية لا سيما وأن إدارة ترامب ستكون أكثر فاعلية من سابقتها في محاربة العنوان الأبرز للإرهاب "داعش" و"النصرة"، وهي قطعاً ستدعم الحليف الإقليمي الأكثر استقراراً مما يعزز من دوره في المساهمة بحلول سياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعراق وسوريا وصولاً للازمة اليمنية السعودية.
نحن اليوم امام حالة خروج من المرحلة الرمادية وإعادة تموضع استراتيجي ذكي وفعال يضمن المصلحة الوطنية للدولة الأردنية في تقديري وهو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يعطي أهمية حضور للأردن دوراً ومكانة.