الأب بيشرلو، كاهن ومعلم آثار عشق الأردن
الاب رفعت بدر
01-11-2008 02:00 AM
غادر هذا العالم الفاني الاب ميشيل بيشرلو Michele Piccirillo ، المعروف بأعماله الضخمة والهامة في التنقيب والكشف عن الآثار المسيحية في الارض المقدسة ، وبخاصة في الاردن وتحديدا في جبل نيبو – الصياغة وموقع المعمودية.
الاب ميشيل بيشرلو راهب من الرهبان الفرنسسكان التابعين لحراسة الأراضي المقدسة ، ولد في كازا نوفا كازينولا – كازيرتا في ايطاليا في 18\11\1944. وأقام منذ عام 1960 في القدس ، حيث درس تاريخ الكتاب المقدس وجغرافيته في معهد الفرنسسكان للآثار Studium Biblicum Franciscanum وأدار متحف المعهد.
ومنذ عام 1973 ، أدار الحفريات الاثرية وأعمال الترميم في مقام النبي موسى على جبل نيبو في الأردن. وعمل مع الحكومة الأردنية في التنقيب عن الآثار البيزنطية والمحافظة عليها ، في الأردن عامة ، وفي مادبا خاصة . والى ذلك ، فقد نشر عام 1978 كتاب الاب سبيركمان في القدس ومقالات عديدة. وأصدر عام 1981 في القدس أيضا ، باللغة الايطالية ، كتاب كنائس وفسيفساء شمال الأردن. ونشر عام 1986 في رومة بالايطالية أيضا كتاب "فسيفساء الأردن" وقد نقل هذا الأخير الى الالمانية والفرنسية والانجليزية . أما كتابه "مادبا ، كنائس وفسيفساء" المنشور عام 1989 فقد تمت ترجمته الى العربية في العام 1993 ، على يد البطريرك ميشيل صباح والاب جورج سابا والأب أنطون عيسى. وقد أسهم الأب الراحل في الاكتشافات التي ابتدأت الحفريات لها عام 1996 على امتداد وادي الخرار ، قرب نهر الأردن، لتصبح اليوم محجا لألوف الزوار في موقع المعمودية المعروف بالمغطس.
وفي آذار 2000 ، شاهد العالم الاب بيشرلو الى جوار البابا يوحنا بولس الثاني في جبل نيبو، اثناء زيارة البابا التاريخية ، وقدم الكاهن الراحل للبابا الراحل شرحا عن المكان ودله على اتجاه الارض المقدسة وبخاصة بيت لحم والقدس من على جبل نيبو. وكان قد أسهم مع وزارة السياحة ، وبمصادقة الفاتيكان، على تحديد خمسة مواقع أثرية ودينية في الأردن، واعتبارها أماكن حج مقدس. وقد أدار بشكل علمي معرضا عن فسيفساء الأردن ، وعرضه في روما وفي بلدان أوروبية عدة.
لقد عشق الاب بيشرلو الأردن، بتاريخه وجغرافيته وآثاره التي كان ينقب عنها ويقضي ساعات وساعات بين أطلال الماضي ، ليقدم صورة للأردن التاريخ والحضارة . ونقل تراب الأردن معه يبين أهميته ويدعو العالم لزيارته والتبرك بقداسته. رحل الأب بيشرلو الى ديار النور، بعد صراع مع مرض خبيث ، وقد اختارت حراسة الأراضي المقدسة أن ينقل جسده الطاهر من ايطاليا الى الأردن، ليوارى التراب الذي أحب، في جبل نيبو - الصياغة، تقديرا لجهوده الطيبة والمخلصة التي بذلها على قمة هذا الجبل ، حيث أجرى العديد من أعمال التنقيب والاكتشافات لكنوز بقيت دفينة لعصور سابقة . واذ يعز علينا نحن أبناء الأراض المقدسة ، وأبناء الأردن الذي أحبه بيشرلو، أن يغادر هذا الانسان والكاهن وعالم الآثار هذه الحياة الفانية، نتقدم بالعزاء الصادق من حراسة الأراضي المقدسة ومن الرهبنة الفرنسسكانية ، ومن كل رعاة ومؤمني الأرض المقدسة ، ومن كل علماء وطلاب التاريخ والآثار الذين اتخذوه معلما وهاديا ، وطبعا من وزارة السياحة الآثار الأردنية التي فقدت صديقا وفيا وعالم آثار عمل بكد وسهر يكشف عن الكنوز الخفية في الأردن، ويروج لسياحته في كل العالم. وما أحرانا اليوم، بتقديم وفاء وتكريم للأب الراحل ، شأنه شأن الكبار الذين قدموا خدمات عزيزة لوطننا الغالي ، من اطلاق شارع على اسمه، و ترجمة كتبه الكاملة عن الأردن الى العربية ، أو اطلاق اسمه على أحد المراكز في الأماكن الاثرية التي عمل فيها بجهد موصول ، معمدا دائما بطهر حجارة الأردن وقدسية الاقدام التي وطأته عبر التاريخ.
وجميعنا نضرع الى العلي أن يرحم الراحل ويسكنه الى جوار القديسين والأبرار . طالبين له وهو الكاهن الورع الذي عمل بلا كلل أو ملل، ما عثر عليه من نقوش وكتابات في مناطق شتى في الأردن والأراضي المقدسة ، أي "بفضل غيرة وحماس الشعب المحب للمسيح ، للخلاص والعون وغفران الخطايا ".
abouna.org@gmail.com