والله لازرعك في الدار يا عود اللوز الأخضر
د. عائشة الخواجا الرازم
06-02-2017 11:42 AM
وحياة هاللي من سماه أعيادنا، ما نرتضي الذهبان حق بلادنا، يا عين ما تغفي وما جالك نوم بكرة العيد، وعيدنا ميعادنا، نذر على هالقوم كعك العيد ما بوكله من الدار غير أولادنا. واحنا نفوس اكبار عن لعياد، يا حسيرتي لبطون مش روادنا. وعاداتنا نطلع على لقبور ونقول يا غاوي يا حلو شهادنا، جيناك صبح العيد يا مزيون ... جبنا الكعك مخبوز يشهد وادنا. كل عام وانتو بخير يا اهل العيد ..... والعيد الكو والقبر ما رادنا ..... أهل الكرم والجود والنوماس ... ونظل أهل العز نحمي زنادنا .
حينما يغني الفلسطيني بجانب قبر شهيد !! أو يجلس مترنما بمواويل نائحة وهو يتمايل برأسه والدموع تغرق حجر الشاهد ، فما ذلك سوى تقليد فلسطيني تاريخي لكل الفئات في الوطن !! وحينما تزغرد الأم أمام خبر استشهاد ابنها الشاب ، وفلذة كبدها الحبيب ، وترفع ياقة الشاشة البيضاء عاليا ملوحة ، فما ذلك بالحزن العادي في البشر ، وما تلك أم عادية .
تلك إحدى مناحات ( أغنيات ) النساء الفلسطينيات على القبر !!! جيناك صبح العيد يا مزيون، جبنا الكعك مخبوز يشهد وادنا ، وتلك هي أغنية شعب أدمن العذاب ولم يستمرئه . فماذا لو كان الرد حال الشهادة بعكس الزغرودة ، أو لهب الألم ؟؟ سيكون بالتأكيد صراخ أو تمزيع الثوب ولطم الخدود والبكاء المرير. وذلك بعيد عن شعب لا توسط بينه له الصدر دون العالمين أو القبر ... !
وما استجابة العذاب في نفوس الأمهات والآباء والأخوة والأخوات بهذه الطريقة ، إلا َّتمايزا في نوع الوجع وحجمه ، فشعب فلسطين لم يستمرئ العذاب والقهر ، ولم يستمتع بالموت والفقد !! وكل المنطقة مطرَّزة بتمايز المأساة، فمأساة اسمها ملهاة، عرف أهلها كيف يؤرخون لأنفسهم داخل السواد والبياض فقط. الحزن ليس عاديا، وأفراد الشعب يدركون أنهم الدافعون للثمن ضمن أتون الثورة، وتقديس الأرض ليس عاديا ، بدليل تعميدهم في كل لحظة للأرض بالدماء، والدماء مشهدها مرعب حينما تفور من الجسد وأي شخص مهما بلغ من البطولة والقوة ترعبه الدماء !! وشعب فلسطين أيضا تخيفه الدماء وترجف له العيون ذعرا وألما حينما تراه. والدماء حال فورانها من جسده كل يوم وانغراس الوجع والألم كل لحظة في هذا الجسد، جعل منه سماء الولوج نحو نفقين تتجه في غورهما الروح الفلسطينية الوثابة الصبورة. لأن الهروب حرام، والخروج حرام، والأفول من النار محاصر بنار، وأضحت حياته طوال التاريخ رهينة الزمن، مثل حجر لعبة النرد (الزهر) فهي نفقان أحدهما أسود والآخر أبيض .... النفق الملوم عليه وهو النفق الأبيض والنفق الملوم عليه الثاني وهو النفق الأسود، والفلسطيني ملوم في كلتا الحالتين، فلا هو مرغوب إن أعلن انتماءه وحبه وعشقه لقطر عربي ولد فيه وأحبه ولا هو مرغوب لو أعلن أنه يحب البلاد التي هو فيها ولكنه ينتظر فلسطين ويعمل من أجل عودته شاء من شاء وابى من ابى!!! والنفقان هما طريق شعب فلسطين !! لا لون ثالث لهما! فإن بكى قيل ويله بكى ... وإن غرد قيل ويله استمرأ العذاب ...
وما بشارة التاريخ بأعرق واحدث وأجمل ما انتجته أنامل النسيج ملابس للرأس . إلا أكبر برهان على قدر اللونين الحزينين، الحزن الأبيض والحزن الأسود !! لذلك يجلس العالم يراقب نكهة الزمن !! فالزمن هو الرهان الأوحد على مساندة شعب فلسطين فالكل في غياب الغيهب عنه، ولهذا أدرك الفلسطيني أنه يخلق ملهاته بنفسه حينما تغرد الكوفية السوداء والبيضاء على هامته . ويرفعها على شمس الحياة، أسود وأبيض ولكنه في نفس الوقت مرهون للخطر والدم، مودعا أحباءه وراشا عليهم تراب الأرض التي يرويها بدمه فلا يمل الابتكار والغناء ولا يمل إطلاق الزغاريد أبدا . فلا بديل سوى المأساة ( الملهاة ) وليس أبلغ من أغنيته الدائمة التي تغنيها كل نساء فلسطين وهن يحاولن إضافة لون مخضر عسى الله يرسل الحياة من علمه لشعب حياته وقدره أسود أبيض :
والله لازرعك في الدار يا عود اللوز الأخضر واروي هالأرض بدمي تتنور فيها وتكبر ....إذن لا مجال غير الأرض العنوة والغنوة
فهل صحيح أن شعب فلسطين يحتاج لتبرير زغاريده وأغانيه في الملمات والدماء...؟؟ فكيف يبرر زغاريده وهو الذي أدمن الأسود والأبيض !! وهو يدرك أن حياته عبارة عن حجر النرد الأسود والأبيض، وهذا حجر الزهر هو علاقة الزمن بالحجر. فالأبيض نهاره والأسود ليله . وليله ونهاره متداوران عليه . والزمن فقط رهانه الأول والأخير وليس أبلغ من حجر الصمود في الحالين لو تأملنا بمعنى حجر الزهر ، والزمن المرسوم بالانتظار !! إنه شعب فلسطين الملتف بين الأمل والألم !! ورغما عن الدم الفوار والله لازرعك في الدار يا عود اللوز الأخضر ..!! والزمن كفيل بتنوير عود اللوز !! وزغرودته المغموسة بالدموع .