فيما مضى وحين كان الناس يتحلقون حول الشموع والمواقد حيث لا تلفزيون ولا إنترنت ولاهواتف نقالة، حلم شكسبير ببيت يبنيه من نجوم الصيف، وكانت عبارات من طراز سماء مرصعة بالنجوم او ملبدة بالغيوم هي السائدة، ثم جاء زمن تلبدت فيه السماء بالدخان وغبار الاطلال وترصعت بالطائرات من مختلف الحجوم والاشكال سواء أكانت بطيارين ام دون طيارين، واصبح كل ما له صلة بالماضي رومانسيا يدب الاقلاع عنه لصالح الواقعية ثم سرعان ما انتقلت العدوى الى اعمق العواطف الانسانية وأنبل العلاقات، فالحب لم يعد كما يصفه شاعر انجليزي مناديل حريرية مضمخة بالدموع والعطر بل اصبح كما يقول علب مشروبات فارغة واوراق ملوثة على ضفاف نهر التايمز .
اما العاشق الوفي فقد اصبح امثولة في السخرية، لأن الواقعية تفرض عليه ان يقلد الخنازير وان لا يغار على من يعشق وبالتالي انتصرت الغرائز وما تحقق هو التسفيل كمقابل للتصعيد حسب مصطلح سيغموند فرويد !
كانت المهن تسمى بأسمائها بدءا من البغاء حتى السمسرة، لكن عصر الإنترنت اصدر قاموسا جديدا وهكذا حمل السمسار اسما اخر وكذلك البغي والجاسوس، اما الكذب فقد اصبح مشروعا الى الحد الذي سمي فيه ملح الرجال، رغم انه كان فيما مضى عارا ما بعده عار لهذا لم يجد العرب لمسيلمة لقبا يليق بما اقترف الا مسيلمة الكذاب .
اما مفهوم الخيانة على اختلاف درجاتها من الصغرى البيضاء الى العظمى التي يعاقب عليها من يقترفها ضد وطنه بالاعدام، فقد اصبحت اجتهادا مشروعا ومجرد وجهة نظر او رأي آخر يجب التعايش معه !
وقبل سبعين عاما تنبأ الروائي الانجليزي جورج اورويل في روايته 1984 بزمن تصبح الكلمات فيه تعني عكس معانيها ودلالاتها، فالسلام حرب والحب كراهية والصديق عدو والخائن بطل والفساد نوع من الزيت الذي تشحم به مفاصل البيروقراطية حين يعمرها الصدأ، ولو سأل احدنا نفسه متى نظر الى السماء ورأى النجوم لآخر مرة لاصابته الدهشة، لأن العيون تسمرّت على الاقدام لفرط الركض والزحام !!
الدستور