أقدم الجيش الأردني على القيام بهجوم جوي موفق وناجح ومدروس بعناية على قواعد داعش في الجنوب السوري، حيث تم تدمير مستودعات ذخيرة ومركز لتفخيخ المركبات، وقد جاء هذا الهجوم العسكري متزامناً مع هجوم دبلوماسي أردني يقوده الملك شخصياً في واشنطن والبيت الأبيض، حيث تشير الأخبار إلى تحقيق بعض النجاح في إحداث تحول ملحوظ في موقف الإدارة الأمريكية وفي موقف الرئيس (ترامب) على وجه التحديد تجاه بعض الملفات الساخنة المتمثلة بالموقف من «القدس» والموقف من الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
الهجوم الأردني المتزامن عسكرياً ودبلوماسياً يعد خطوة ناجحة وفي الاتجاه السليم في إعادة التموضع الأردني على الخارطة السياسية الإقليمية التي يجري رسمها عبر توافق أمريكي – روسي واضح المعالم فيما يخص المنطقة، حيث إن الأردن يملك بعض أوراق القوة التي تعزز الموقف الأردني، وتحمي مصالح الشعب الأردني الذي دفع أثماناً غالية خلال السنوات السابقة، حيث قدم تضحيات كبيرة وشهداء في خدمة القضايا العربية، والتي يجب عدم التفريط بها، وأن لا تذهب هدراً على مذبح الفرقة العربية.
تعزيز الموقف الأردني يأتي من خلال الإصرار على عروبة القدس ومن خلال الإصرار على مكانة القدس الدينية والمعنوية لدى الأمتين العربية والإسلامية، وضرورة إرسال خطاب واضح الى كل دول العالم لا يعرف التلجلج أو التردد، بأنه لا مجال للمفاوضة على قدسية الأقصى والقدس لدى المسلمين والعرب، وأن السيادة عليه ينبغي أن تكون محسومة للعرب والمسلمين بزعامة الهاشميين، لأن هذه المسألة تعد الشرارة التي تهدد بحرب كونية، وأن العبث في هذا الملف أو التهاون فيه يعد من أهم مهددات الأمن الإقليمي والاستقرار في المنطقة، أما المسار الثاني فينبغي أن يكون في الموقف الصلب والصارم في موضوع الاستيطان، حيث ينبغي تكثيف الهجوم السياسي الأردني والعربي في مواجهة العدوان الاحتلالي، وهي قضية عادلة ورابحة، ونجد تأييداً دولياً واسعاً على مستوى الغرب والشرق، بل هناك قرار لمجلس الأمن يؤيد الموقف السياسي العربي ويدعمه، أما المسار الثالث فهو الحرب ضد الإرهاب، حيث إن هذا الهدف يحظى بالإجماع وعدم الاختلاف بين جميع دول العالم، وتستطيع الأردن في هذا المسار أن تقدم جهداً مميزاً ومتفوقاً، فهي تملك الأرض وتملك القوة العسكرية وكذلك الموقف السياسي المستند إلى الرؤية الفكرية الواضحة والسليمة.
أمام الأردن فرصة أخرى لتعزيز موقفه على الصعيد العربي التي تتمثل بعقد القمة العربية في عمان، حيث الوقت والظرف العصيب التي تمر به الدول العربية يحتم عليها السعي الحثيث نحو صياغة موقف عربي موحّد تجاه تحقيق مصيرهم على خارطة الصراع الدولي، ولا سبيل أمامهم إلّا تحقيق مصالحة عربية شاملة بتبني مصالحات عربية عديدة، قادرة على وقف القتال وسفك الدماء في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، ضمن رؤية سياسية شاملة، تستعلي على الخلافات والمناكفات وسياسات الفرقة التي ضيعت البلاد والعباد، وأودت بالقوة العربية لصالح قوى إقليمية وخارجية استطاعت الاستثمار في حالة الضعف العربي وفي ظل غياب مشروع سياسي عربي، فهل يمكن للأردن أن يعمد إلى تقديم مشروع سياسي عربي يستنقذ ما يمكن إنقاذه، واقتناص اللحظة في تعزيز الموقف الأردني عربياً وإقليمياً ودولياً.
الدستور