الإنتقال المباشر ما بين عواصم متنافسة ليس سهلا لزعيم دولة يريد ان يخيط الرتق العالمي بإبرة الأمل،هذا ما فعله الملك، من موسكو حيث قرار سوريا بيد الرئيس العنيد فلاديمير بوتين،الى لندن مع طاقم حكومة» تيريزا ماي» رئيسة الوزراء الحديدية الجديدة،و أخيراً الى واشنطن حيث ستاد ألعاب القوى السياسية العالمي بقيادة الرئيس دونالد ترامب الذي أرعب العالم بسرعة قرارته التي هزت الداخل الأمريكي والعالمي، فضلا عن الشرق الأوسط، وبين كل هذه الفيلة المتصارعة،كان الملك نجم نشرات الأخبار، فهو ملك خلفه بلد لا يدّعي أنه دولة عظمى،ولكنه يجلس في مجلس زعماء الدول العظمى لينتزع إعترافهم بحق العرب والمسلمين في أن يعيشوا باستقرار وأمن وأن ينظر لهم بعين الإحترام والتقدير،وأنهم ضحايا الإرهاب وليسوا صانعيه، وكل هذا وبلدنا يرزح تحت وطأة الضائقة الاقتصادية والتحديات الداخلية والخارجية،ومن المستحيل إقناع المتصارعين بالعناق والدماء تسيل من رؤوسهم.
ما بدأه جلالة الملك في واشنطن من فتح عظيم للقلعة الجديدة يجب أن يتم البناء عليه وتأييده من قبل الأشقاء العرب وعليهم مسؤولية التعاون والتفاهم وجمع الشمل، فتثبيط روح الإندفاع لدى الرئيس ترامب وأركان ادارته تجاه الخدمات المجانية للحكومة الإسرائيلية لم تكن مهمة سهلة أبدا،ومع هذا كان فوزا عظيما يسجل للملك حيث تراجعت قوة الحماس لدى البيت الأبيض لنقل السفارة الأمريكية الى القدس الشرقية، وما قدمه الملك من ملخص لرؤية الأردن والفلسطينيين والعرب لمستقبل الصراع أو السلام مع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو بناءً على قرار النقل أو إيقافه، كان سببا في تحريك العقل المعّطّل لدى طاقم ترامب، فالقرار في حال تنفيذه سيؤدي لحالة هيجان أشد من الحرب المباشرة في الشارع العربي.
أما سوريا التي لا يريد أحد من القاتلين والمقاتلين والحكومة والمعارضة أن يتوصلوا لأي اتفاق لإغلاق بوابة الجحيم فيها، فقد حملها جلالته الى واشنطن مباشرة بعد موسكو، وشدد على أهمية التوصل الى مشروع لحماية الشعب السوري الذي يحتضن الأردن مليوني لاجىء منهم ،وأقرب المشاريع هي المناطق الآمنة التي حاولنا سابقا تحقيقها لحماية المدنيين، ولكنها اصطدمت بالبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن الملك قطع شوطا كبيرا في إقناع الرئيسين بضرورة إقامتها لتأمين الأمن للنازحين السوريين و عودة اللاجئين لبلدهم، ودحرّ العصابات الإرهابية.
إن الرحلة السياسية التي تجشّم عناءها الملك يجب النظر لها بعين التقدير والإحترام، فمعاناة الشعب السوري و العراقي وقبلهم الشعب الفلسطيني، والأهم حماية القدس الشريف والمسجد الأقصى والمقدسات المسيحية من خطر مخططات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، ليس من السهل أن يناقشها أي زعيم في عاصمة تتقاذف فيها الحمم السياسية من كل اتجاه، و أكثر من ذلك أن يقرّ مجتمع القيادة السياسية في واشنطن وفي البيت الأبيض والحكومة ومجلس الشيوخ أن الأردن بلد مميز بقيادته وشعبه الذي تحمل كل أعباء الحروب حوله واحتضن اللاجئين دون كلل ولا شكوى، حتى أصبح أكبر بلد يُستقبل اللاجئين رغم شُح موارده المالية والمائية والاقتصادية.
ولهذا يجب استمرار التواصل الملكي مع الإدارة الأمريكية،فهي صاحبة القرار أخيرا، والتركيز على تغيير نهج التفكير لدى العقلية التي تقود القرار هناك ، كما شرح لهم جلالته القيم الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف وهدي القرآن الكريم من وجهة نظر إسلامية، وأردنية لا تتدخل بقضايا الدول الأخرى بناءً على المنافسة السياسية أو الأطماع والغايات، وكل ذلك بالبراهين والأدلة المبنية على المنطق السليم والقوي، ما أدى الى تشكيل رأي عام سياسي مؤيد لتوجهات الملك والسياسة الاردنية في المنطقة، وهذا يحتاج الى إستمرار الترويج السياسي للقيمّ الأردنية والقيادة التقدمية نحو مستقبل المنطقة العربية في غضون السنوات القادمة،لنتخلص من إرث الحروب المدمرة والمتخلفة
المهمة المستحيلة أنجزت، رغم ضغوط اللوبي الإسرائيلي لإفشالها،وحقق الملك إنجازه باستمرار المساعدات الأمريكية للأردن،وهو يستعد للقمة العربية التي يجب أن تكون منعطفا لطريق عربي جديد يدفن تحته إرث الحروب والنزاعات، ويبدأ في تعزيز قدرات الأردن الإقتصادية والدفاعية وتمكينه من تخفيف وطأة فاتورته المالية التي تحملها ولا يزال الشعب الأردني،وهو يرى تجفيف المساعدات العربية لسد فاتورة حروب لن تنتهي إلا بالمزيد من الأحقاد والتفرقة،فيما الأردن لا يزال الأم التي تجوع لتطعم الآخرين وتصبر على الأذى رغم الخشية من المستقبل
ROYAL430@HOTMAIL.COM
الرأي