من الأمور التي ينبغي للحكومة أن تفكر فيها بجدية قبل البحث عن زيادة الضرائب على المحروقات وعلى الهواتف والاتصالات وغير ذلك من الأمور التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل متصاعد لمعظم الأمور والأشياء الأخرى، هي إلغاء الاحتفالات والمهرجانات المكلفة التي تؤدي إلى إرهاق الموازنات العامة لمختلف مؤسسات الدولة في معظم المناسبات المفتعلة، حيث أنها لا تقدم شيئاً حقيقياً مفيداً للأمة والوطن، وتكون في أغلبها خالية من الأهداف النبيلة والمقاصد المقدرة.
نحن بحاجة إلى التخلي عن ثقافة الاستعراض السطحي التي تمتلىء بالتزلف والتملق لأصحاب المسؤولية، وعلينا أن نعزز ثقافة الانتماء الحقيقية العميقة التي تتمثل باتقان العمل والابداع في التخصص والتنافس في الابداع وزيادة الانتاج والفاعلية.
يجب إعادة النظر بشكل جدي من قبل الحكومة بهذه المواضيع من خلال رصد هذا الهدر في كل المؤسسات الكبيرة والصغيرة، حيث يتم أحياناً إقامة حفلات استقبال على شرف مدير عام أو وزير جاء من أجل زيارة تفقدية أو افتتاح مشروع جديد؛ تحمل في ثناياها ثقافة غير سليمة، حيث أنها لا تتم في الدول المتقدمة والغنية رغم وجود الفائض الكبير في موازناتها، ولذلك لا بأس من الاقتصار على «القهوة السادة» وهي تمثل تقليداً عربياً نبيلاً ومعقولاً، وينبغي الاستغناء عن حفلات الغداء أو العشاء و الحلويات وأصناف المشروبات، ولقد اطلعت على إقامة بعض الحفلات في بعض المدارس في بعض المناسبات على حساب التبرعات المدرسية من أجل الاحتفاء بزيارة مدير التربية، وكان الأولى أن تكون التبرعات المدرسية مرصودة فقط لأعمال الصيانة وإصلاح النوافذ والأبواب واللوازم والتدفئة وحاجات التلاميذ المختلفة.
توجيهات الحكومة لمختلف مؤسسات الدولة، يمكن أن تشكل خطاً جديداً في إرساء ثقافة جديدة تقوم على حفظ المال العام من خلال منع الاحتفالات، ومنع التهنئات والعزاءات الباذخة في الصحف، وإلغاء مخصصات الضيافة، وسد كل البواليع التي يتسرب منها المال بطريقة غير حكيمة وغير مجدية، ويمكن إرسال توصية إلى الجامعات بهذا الخصوص من أجل تشجيعها على اختصار المظاهر الاحتفالية للخريجين في نهاية العام، والتوجه نحو البدائل الأخرى الأكثر تحضراً والأقل كلفة، ويمكن رصد التكاليف التي كانت تصرف في ذلك نحو تشجيع البحث العلمي، وتشجيع الابداعات والمواهب الابتكارية النافعة التي ترفع مستوى الأداء وتعظم الإنجاز.
نحن جميعاً مدعوون بمناسبة الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة أن نتوجه نحو إيجاد الطرق الابداعية ضمن حدود المنطق والسلوك الراشد في توفير الانفاق، قبل إطلاق العنان في البحث عن مسارب ضريبية أخرى تثقل كاهل المواطنين المرهقين أو ربما تسهم في كسر ظهورهم بالضرائب الإضافية المتكلفة، وهنا يجدر التنبيه إلى أن المعنى الثقافي في هذا المسار أكثر أهمية من المنطق المادي الذي يتمثل في ضبط النفقات وتقليل فاتورة المصروفات، من خلال الالتفات إلى المعاني الجوهرية في سلوك الأفراد والمجتمعات فيما يتعلق بالتعبير عن الانتماء الوطني الحقيقي تعبيراً حضاريا صادقاً وراقياً.
الدستور