عمون- مهما تقوّلوا ومهما خرجوا بتحليلات ونتائج ، فالأردن وجدَ ليبقى وليستمر .
ولو عدنا للتاريخ القريب وليس البعيد جداً، لوجدنا أن بلدنا هذا قد مرّ بظروف قاسية وصعبة، وأصعب بكثير من الظروف الحالية، ومع ذلك خرج منها قوية بل أزدادَ عظمةُ قساوةً وصلابةً.
ولست هنا في معرض التأريخ هذه الاحداث التي مرّ بها الأردن ، ولكنني أجد في هذه الاحداث السابقة تشابهاً مع ما نمرّ به اليوم ، فالتاريخ كما يقال يعيد نفسه وما أشبه اليوم بالأمس .
فمن هذه الاحداث الجِسام التي مرّت بالاردن أغتيال الملك المؤسس عبدالله بن الحسين عام ١٩٥١م ،أثناء صعوده درجات المسجد الاقصى لأداء صلاة الجمعة ، وقد كان لهذه الحادثة الأليمة وقعً على الأردنيين ، حيث نالت يد الغدر من ملك البلاد وقائد مسيرتها ومؤسسها ، فِالى أين كان سيتجه الاردن بعد هذه الحادثة ؟؟ لقد كان الخوف على مستقبل هذا البلد " الناشئ حديثاً " لا يقل أهمية على الحدث نفسه لما سيكون له من تداعيات وأنعكاسات على الاردن والمنطقة .
عاش الأردنيون أياماً صعاباً وحالة من القلق والخوف بل والتشكيك بأن هذا البلد يتجه إلى الزوال والتلاشي .
وخرج الأردن من أول اختبار حقيقي كان يهدد كيانه ونوديَ بالملك طلال ملكاً دستورياً على البلاد الا أن حالته الصحية لم تسمح له بالاستمرار أكثر من ثمانية شهور كان أبرز منجزاتها أقرار الدستور الاردني الذي يعتبر من أرقى الدساتير التي أقرت للأن .
كانت تلك الفترة تعجُ بأحداث القومية العربية وأحلام الوحدة والنهضة للأمة العربية والتي كانت شعارات براقة كشفت زيفها لاحقاً ، وكانت اول اهدافها أسقاط الانظمة الملكية في الوطن العربي وذلك سيراً على خطى مصر التي أطاحت بالملكية وأتت بالعسكر الذين أشبعوا شعوبهم المهزومة بأنتصارات رهيبة على العدو الصهيوني ومسحه من الوجود على خريطة العالم !!؟
وليس من الغريب أن الاردن بهذه الفترة ورغم كل التهديدات التي نالته -كونه دولة ذات نظام ملكي- وهو ينظر له من قبل دول الجوار العربي الكبرى : مصر والعراق وسوريا ، على أنه صنيعة للاستعمار البريطاني وأن نظامه الملكي يقف عائقاً امام مشروع الوحدة العربية ، فأن الاردن بقيادة مليكه الشاب أنذاك الحسين بن طلال كان دائماً اول الملبين والمساهمين والداعمين لمشروع الوحدة العربية والنهضة العربية والمدافعين عن القضية الفلسطينية والتحذير من الخطر الصهيوني .
لكن يبدو أن دعاة القومية العربية وأنصارها كانوا يبحثون عن مبررات وشماعةً يعلقون عليها فشلهم فلا يجدون الا الأردن ليضعوا عليه هذا الوزر وتحميله أسباب هزائمهم المتلاحقة ..!! فكان لابد من المؤامرات والدسائس ومحاولات الانقلاب والتي باءت كلها بالفشل .
وقد خرج الأردن من كل هذه الأزمات كما يخرج الوليد من رحم الموت يخرج مهشماً جريحاً لا يجد من يضمد جراحه بعد أن تلقى طعنات الغدر من " الاقربين "
وعلى حد قول الشاعر العربي :
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أشَدّ مَضَاضَةً على الَمرءِ مِنْ وَقعِ الحُسَامِ المُهندِ .
وتتوالى الاحداث على هذا البلد وكل مّرةٍ كان يقال الأردن سينهار وسيسقط وسيزول و و ،،،، وبقي الاردن رغم أنه كان في قلب النار وفي عين العاصفة .
وما أحداث أيلول الاسود عام ١٩٧٠م وهذه الفتنة التي كادت أن تذهب بالبلاد أبعد من المتصور ماهي الا مثال واضح على صمود هذا البلد وبقائه مخرزاً في أعين الاعداء والحاقدين ، وبعدها بأشهر قليلة حادثة أغتيال الشهيد وصفي التل في القاهرة عام ١٩٧١م والذي فجع به الأردنيين على مختلف توجهاتهم وفئاتهم .
ورغم كل هذا ، خرج الأردن أقوى مما كان عليه في السابق ليمارس رسالته الحضارية ويدافع عن رسالة الثورة العربية الكبرى ومشروعها التحضري الهادف الى وحدة الامة والارتقاء بها الى مصافي الشعوب المتقدمة .
ومرة أخرى يمر الأردن بأختبار أخر صعب ، فكان قدر الأردن أن يتقاسم مع أشقائه في العراق المعاناة والظلم من ذوي القربى ، حيث دخلت القوات العراقية الكويت في عام ١٩٩٠م ودفع الأردن ثمن مبادئه ورفضه تدخل القوات الاجنبية ونادى بأبقاء الحل عربياً - عربياً ، وهو كان يطب سماعه من قبل عدد من روساء وزعماء الدول العربية التي مارست الضغوطات الاقتصادية على الاردن لإيجباره على التخلي عن مواقفه مما أنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلد ووصوله حد الافلاس .
وتخطى الأردن هذه الازمة بفضل وحنكة القائد الراحل الحسين بن طلال .
واليوم يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المسيرة وبكل خطى ثابتة وبكل رباطة جأش وحنكة السياسي المتمرس والعسكري الحازم والشجاع وبدون التفات الى الوراء .
فهذا هو الاردن كما عهدناه بقيادته الهاشمية ، يخرج من كل الأزمات التي يمر بها فبفضل هذه القيادة الحكيمة وتلاحم الشعب مع تلك القيادة وبفضل الايمان العميق المتجذر في نفوس الأردنيين بهذه القيادة التي أثبتت على الدوام أنها ناجحة ومدركة لكل متطلبات المرحلة .
لذا يطيب لنا أن نقول أن الأردن وجد ليبقى .