المؤسسة الاستهلاكية وصناعة السوق
ماجدة المعايطة
01-02-2017 02:00 PM
كما يستشعر صاحب القرار ويوجّه أنه آن الأوان لكي يلمس المواطن العادي نتائج جهود مكافحة الفساد، فإنّ بيننا الكثيرون ممن يعتقدون ،أيضاً، أنه آن الأوان لكي نستشعر دور المؤسسة الاستهلاكية، المدنية والعسكرية، بتحقيق الأهداف التي أنشئت لأجلها في الأمن الاجتماعي والمعيشي، ضمن نطاق آليات السوق وقوانينه.
في الحالتين، تعاقبت حلقات متصلة من الإرادة السياسية والإمكانيات التنفيذية، لكن النتائج على أرض الواقع ، لم تصل الدرجة التي تُشعرُ صاحب القرار بالرضا، وتُشعر المواطن العادي بالقناعة وبالشراكة الحقيقية.
مبرّر الحديث في موضوع الجمعيات الاستهلاكية، هو الضجة المتحركة والمبررة، حول الارتفاعات التي شهدتها أسعار عشرات السلع الرئيسية قبل إقرار الموازنة العام للعام 2017، والارتفاعات المنتظرة في تلك السلع وغيرها بعد أن تبدأ الحكومة بتطبيق ما أقرته الموازنة من ضرائب ورسوم جديدة تهدف الى تحصيل 450 مليون دينار في نطاق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
التزام الحكومة بالإبقاء على أسعار السلع في الجمعيات الاستهلاكية العسكرية والمدنية خلال 2017 بنفس مستويات 2016، هي إشارة جيدة في النوايا والتوجهات. لكن بالإمكان أن تكون هذه الإشارة أكثر جدية واستدامة لو أن موضوع الجمعيات الاستهلاكية جرى تناوله برؤية إبداعية من "خارج الصندوق"، وهي رؤية ابتكارية نعرف أن رئيس الحكومة يجيد التعامل معها.
ففي مثل هذا اليوم بالضبط من شباط 1977، باشرت المؤسسة الاستهلاكية المدنية أعمالها. وخلال العقود الثلاثة الماضية توسعت المؤسسة الاستهلاكية أفقياً في نشاطها وخدماتها لكنها لم تقترب كفاية من نظرية الاقتصاد الاجتماعي التي أنشئت لها والتي تؤمن بها الحكومة والدولة.
اليوم نعتقد أنه آن الأوان للتفكير جدياً في الانتقال بالحركة التعاونية الاستهلاكية الى مرحلة جديدة، نعيد فيها اكتشاف إمكانياتنا الذاتية المعطّلة، ونستفيد من تجارب دولية ناجحة في هذا المجال، بأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا وحتى السويد، ونؤكد لأنفسنا أن وضعنا الاقتصادي والمعاشي ليس مرعباً ولا ميئوسا منه، وأن لدينا من الاستعداد للإبداع والقدرة على إعادة الهيكلة بما يرسخ الثقة والاطمئنان، حتى لو تغيرت الدنيا من حولنا وشحّت عنّا المساعدات.فالمردّ بالنهاية هو لمخاطبة الحاجات المعيشية للمواطنين بالاسعار والجودة والبدائل التي تضمن له الثقة والاستقرار.
المؤسستان الاستهلاكيتان، المدنية والعسكرية، لديهما الكثير من الإمكانيات والصلاحيات والخبرات المقدّرة، على نحو يؤهلهما (إذا ما جرت إعادة هيكلتهما بالدمج والتعزيز والرؤية الشمولية) لكي تلعبا الدور الذي يتمناه صاحب القرار في صناعة السوق ضبط إيقاعه ،وفي كبح جماح هوامش الربح لدى التجار والوكلاء والحلقات الوسيطة، وفي حُسن توظيف الدعم الحكومي ليحقق النتائج الإيجابية التي يستشعرها المواطن العادي... وكل ذلك ضمن آليات الاقتصاد الحرّ التنافسي الشفاف.
لكن إعادة هيكلة ودمج المؤسستين الاستهلاكيتين، لوحده، لا يكفي. ففي القطاع الخاص شره وفساد لم يقترب الكثيرون منه ليعرفوا عمقه واتساعه. ولذلك فإن تعزيز إعادة الهيكلة والدمج في المؤسستين الاستهلاكيتين، يمكن أن يتحقق بما لدى وزارة التموين من صلاحيات يختلف الكثيرون في جدواها، وبما لدى المؤسسة العامة للغذاء والدواء من صلاحيات.
عنصر الترجيح في قوة وفعالية هذه المبادرة، هو الإعلام الاستهلاكي المتخصص الذي نحتاجه في الأردن والذي يمكن أن يعطي للمواطنة، وللورقة النقاشية الملكية الأخيرة بهذا الخصوص، مضمونها التوعوي والرقابي الذي يجعل منها مبادرة ذات عيون واسنان، ولها أرجل تتحرك للأمام في خدمة التنمية المستدامة.بدون اعلام استهلاكي محترف سنظل نتنازع الاقتراحات ويظل أباطرة السوق وحراس حاراته الضيقة المعتمة ، يتحكمون بالاسعار وبمزاج المواطن الذي تتضاءل قوة راتبه الشرائية.
مرة أخرى نقول أن موجة جديدة منتظرة من ارتفاعات الأسعار، لن يقلص شراستها سوى مبادرة حكومية من "خارج الصندوق"، تعيد هيكلة المؤسستين الاستهلاكيتين، وتسارع في إصدار القانون الموعود بحماية المستهلك، مع توظيف تكاملي لمؤسسة الغذاء والدواء، مصحوبين كلهم بإعلام استهلاكي محترف يتولى التوعية والترشيد والرقابة، في نطاق آليات الاقتصاد الحرّ الذي نلتزم به وفق تعهدات لا تحتمل المجازفة.
ماذا لو تقدمت الحكومة أو أيّ من منظمات المجتمع المدني بمبادرة لعقد مؤتمر موسع لهذا الغرض؟ مؤكدٌّ أن ذلك سيُحسب بقوة لصالح من لديه الاستعداد لتعليق الجرس.