الإفتاء .. بين أصحاب العلم والجاهلين
ناديا هاشم العالول
31-01-2017 01:00 AM
فتاوى غريبة عجيبة..ما هب منها ودب..وما انزل الله بها من سلطان.. معظمها لا يصدقه العقل ,انتقي منها أخفها وطأة على السمع والذوق والمنطق
فتاوى نخجل من التفكير فيها فما بال إعلانها على الملأ وليس اي ملأ بل عبر الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي لتصبح ملة الإسلام والمسلمين والعرب اجمعين أضحوكة العالم بأسره عبر منطق معكوس يقدِّم خدمات جليلة لأعداء هذه الأمة محققين بالنيابة عنهم مآربهم لتشويه هذا الدين الحنيف.
وكيف لا ؟ وأكثر ما يُفسد الدين ويشوّه صورة الإسلام هو أن ساحة الإفتاء في الدول الإسلامية باتت اليوم مشاعا لكل من يرغب دون أن نعلم مستوى تحصيلهم العلمي في علوم الشريعة السمحاء. فبعضهم فشلوا باجتياز الثانوية العامة، بينما في السابق كانت المراكز والمؤسسات الدينية ذات الوزن الكبير في العالم الإسلامي هي التي تُصْدِر الفتاوى، وكان عالم الدين الذي يتصدّى للفتاوى الدينية يتمتع بكل الكفاءات الأخلاقية والعلمية والمنطقية..
وفعلا عندما أقارن عددا من علماء الدين والفقهاء من أقارب لي انخرطوا بسلك الافتاء ما زال يشار لهم بالبنان لحد الآن فشتان مابين أولئك الحكماء وهؤلاء من مراهقي الزمان الذي اعتلوا منصة الإفتاء!
منصب الإفتاء من أخطر المناصب فالمفتي الحقيقي: يضع نصب عينيه الحق متجردا من هوى النفس وشهواتها ورغباتها ولا بد أن يكون المتصدر له عالما ومهنيّا، ويكون على دراية بأحوال المستفتين بجميع أنواعهم تماما كالطبيب الماهر يشخِّص الداء بدقة بالغة ويصف الدواء، فبعض المتصدرين للإفتاء يظنون بأنه بمجرد قراءتهم للقرآن أو حتى حفظهم له وللأحاديث النبوية الشريفة, أنهم قد تأهلوا بذلك للإفتاء في دين الله تعالى, فضلا عن إرشاد الناس وتعليمهم أمور دينهم..
فكيف يقوم مبتدئون لا يتمتعون باي شرط من شروط الكفاءة بالإفتاء دون ان يمروا بمراحل اربع ليتمكنوا من الوصول للمرحلة النهائية بإصدار الفتاوى المنطقية العقلانية التي تحمل الخير والصلاح والتدبير للأمة وليس تدميرها, مراحل أساسية تخرج بعدها في صورتها التي يسمعها ويراها المستفتي بعيدا عن فساد الفتاوى المنهالة علينا من كل حدْب وصوْب ونتيجة لسذاجة لنفوس التي تستقبل أحكام الفتاوى بكل ترحيب تتحول ساحاتنا العربية الى ساحات قتال واقتتال.
متناسين بأن المفروض في فتوى الله بانها اجتهاد البشر في معرفة الدين والتعبير عن مراد الله سبحانه، اثناء المرور بمراحل اربعة تمهد الطريق للخروج بفتوى صالحة تصلح من شأن الناس وأمر الفتوى ليس بالشيء الهين فعلا , فبعد البحث والتقصي المنطقي من جانبنا للاستدلال على قواعد الإفتاء وشروطه تبين بأن محصّلة هذه القواعد تندرج تحت مراحل اربعة هي: مرحلة التصوير, ومرحلة التكييف, ومرحلة بيان الحكم, ومرحلة الإفتاء.
المرحلة الاولى: مرحلة التصوير: فيها يتم تصوير المسألة التي أثيرت من قبل السائل, والتصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسي لصدور الفتوى الصحيحة المنسجمة مع الواقع المعاش, والمفتي الذكي المجتهد الذي يُعْمِل عقله كما طالبنا الله تعالى بإِعمال العقل دوما وليس إِعمال السفاهة والتفاهة كما يحدث اليوم!
المرحلة الثانية: مرحلة التكييف: والتكييف هو إلحاق الصورة المسؤول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله, والتكييف من عمل المفتي, يحتاج إلى نظرة قادرة على التدقيق والتمحيص.
المرحلة الثالثة: مرحلة بيان الحكم, ويؤخذ هذا من الكتاب والسنة والإجماع, ويتم إظهاره أيضا بواسطة القياس والاستدلال, ويجب علي المفتي أن يكون مدركا لهذه الأدلة وترتيبها, ومدركا الإدراك لدلالات الألفاظ العربية وطرق الاستنباط, وإدراك الواقع إدراكا صحيحا من خلال تحصيله لعلوم الفقه واللغة والحديث ونحوها, وبتدريبه علي مهارات الإفتاء والتي من شأنها ان تقوّي أمانة الفكر والقول والفعل والعمل علي ما ينفع الناس..
المرحلة الرابعة: الإفتاء, أو مرحلة تنزيل الحكم الذي توصَّل إليه علي الواقع الذي أدركه, بحيث لايخالف نصا مقطوعا به, ولا إجماعا متفقا عليه ولا قاعدة فقهية مستقرة.. لكوْن المفتي عالما متجردا من الأهداف الشخصية ورعا يخاف الله، وبخاصة ان مصدر الإنحراف عن النص المقدس مصْدّرُهُ الإجتهاد البشري الذي ياتي نتيجة الفهم الخاطئ للنصوص، مصدِّرا الفتاوى الشاذة بناء على جهل مفتييها وعدم أهليتُِهم ، ناهيك عن حبهم للظهور نتيجة لفشلهم من جهة ورغبتهم بأخذ الثار من مجتمعهم لتحميلهم اياه اسباب فشلهم..إضافة لتشبثهم بآرائهم لدرجة أنهم ينسبون الحاكمية لأنفسهم مناقضين بذلك بديهيات الإسلام: وهي الحكم لله وحده..
مما يجعلنا نتساءل: هل اصبحت مهنة الإفتاء مهنة من لا مهنة له؟
«أفتونا في أمرِنا »!
hashem.nadia@gmail
الرأي