رغم ان عبارة المعاملة بالمثل من كليشيهات الدبلوماسية وقد تكون غير قابلة للصرف الميداني الا ان غياب النديّة وفقر منسوب الاستحقاق لدى الضعفاء يدفعهم الى التأقلم مع الامر الواقع، بحيث يكون الخطاب مزودوجا، خطاب للاستهلاك المحلي معفى من اي ضرائب سياسية، وخطاب آخر للتصدير .
والمعجم السياسي الذي يطفو على سطح المجتمع الدولي به الكثير من النفاق المتبادل والاستخدام المجازي للمفردات، فقد ترد كلمة شراكة بدلا من التبعية، وكلمة حليف بدلا من الاداة او الوظيفة السياسية، وقد تنبه العديد من المثقفين الغربيين الى ما طرأ على الطبعة الجديدة من الاستعمار غير المباشر والهيمنة حين لاحظوا ان القوى الكبرى لم تعد تستخدم الأساليب الخشنة والفظّة التي كانت تستخدم من قبل، ونادرا ما نسمع جنرالا انجلوساكسونيا يردد عبارات كان اللورد كرومر يطلقها اثناء الاحتلال البريطاني لمصر والسودان؛ لأن من ادوات واساليب الكولونيالية الجديدة او استعمار ما بعد الحداثة والسيادة معا التّحايل على الشعوب باسماعها كلمات تدغدغ عواطفها الوطنية وترضي نرجسيتها الجريحة .
وهناك قرارت تتخذها الدول الكبرى سواء تعلق الامر باللاجئين او الهجرات القسرية تصبح سارية المفعول لمجرد ان صدرت عن عاصمة ذات نفوذ، وهذه مناسبة لنتساءل عن ردود الافعال لدى بضع دول قرر الرئيس ترامب منع من يحملون جنسياتها من الوصول الى ما يعتقد انه الفردوس الارضي ناسيا او متناسيا ان بلاده تشكلت ديموغرافيا من مهاجرين ومغامرين قدموا من شتى انحاء الكوكب، فالقوة على ما يبدو تخترع ما يروق لها من القوانين ويحق لمن يمتلكها ما لا يحق لغيره . فالعالم رغم ما يعجّ به من ابراج وناطحات سحاب وأندية وبرلمانات وكتب عن الديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان هو في حقيقته غاب تعيش اسوده ونموره وفهوده وحتى ضباعه على الخراف والارانب والغزلان وسائر الكائنات العزلاء ولهذا السبب قال فاليري عبارته الشهيرة وهي ان الاسد ليس سوى قطيع خراف مهضومة !
الدستور