الأردن .. هذا أوان تطوير التحالفات
سمير الحباشنه
30-01-2017 01:28 AM
-1-
قبل ايام كان الملك عبدالله الثاني في موسكو، في زيارة تعكس عمق العلاقة الروسية-الاردنية، وهي تجسيد وتمهيد لجملة من التفاهمات المنطلقة من رؤى متقاربة سوف تتحدد بموجبها السبل التي يجب اتباعها للتعامل مع الأزمة السورية وهي التي بدأت تتوضح في الاسابيع الاخيرة ومن المأمول أنها سوف تفضي الى حل يعيد لسوريا أمنها واستقرارها المفقود .
ان حديث الملك في هذا اللقاء وتأييده لأهمية الدور الروسي في سوريا، وتأييده لمخرجات الأستانة، و تأكيده على الموقف المبكر والتقليدي للسياسة الاردنية بأن الحل في سوريا لن يكون عسكريا، بل هو حل سياسي بامتياز ، انما هو مقدمة الى دور أردني ايجابي منتظر ومحتمل في حل الموضوع السوري.وان ما يعزز ذلك ديمومة تواصل الملك مع الاطراف الاقليمية والدولية المؤثرة .
ان الجهد الملكي المبذول في هذا الشأن انما يحتاج الآن الى خطوات أردنية ايجابية نحو اطراف المعادلة السورية، تؤهله لذلك الدور. فالإخوة في سوريا، سواء في الحكومة أو المعارضة، هم بحاجة الى شقيق عربي يقربهم من ترجمة مقترحات الحل المطروحة على الصعيدين الدولي والأقليمي. فالعرب مع الأسف غائبون عن ممارسة دور ايجابي في الموضوع السوري، وآثروا الانحياز الى هذا الطرف أو ذاك، ما أطال أمد الاحتراب والتدمير والقتل لكل هذه السنوات؛ ويمكن ان يكون الاردن استثناءً حميداً لهذا الغياب.
-2-
في ذات السياق، سياق مضمون زيارة الملك الى موسكو، فانّ من المناسب التذكير بالحديث السياسي والأمني المكثف والهام لرئيس هيئة الأركان، الجنرال فريحات، الى BBC، والذي تضمن رسائل عدة موجهه الى الدولة السورية، تلك الرسائل التي حملت أهمية استثنائية وخصوصا وانها جاءت على لسان أرفع شخصية عسكرية أردنية ، الأمر الذي يعكس أهمية و جدية هذه الرسائل . خصوصا وان العسكريين في الأردن لا يتحدثون «تقليديا» في السياسة.
وهنا أحاول استعراض تلك الرسائل التي تبين حقيقة موقف الدولة الأردنية من الأزمة السورية منذ أن بدأت وحتى اليوم، فبيان حقيقة هذا الموقف لربما يعمل على رفع اي عتب يحمله الاخوة السوريون على الاردن .. الذي تمكن من ان يبقي في منطقة آمنة لم تنزلق لتكون طرفاً في ذلك الصراع الدامي والطويل .
فالأردن لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية، وان تلك العلاقات بقيت مستمرة عبر سفارتي البلدين منذ ان بدأت الأحداث في سوريا، وهذا برغم قرار الجامعة العربية بقطع العلاقات مع سوريا، وأكثر من ذلك ، فان من المناسب التذكير ان الأردن أتاح للمواطنين السوريين المقيمين على أرضه في المشاركة في الاستفتاء الذي جرى على رئاسة الرئيس بشارالأسد ن ودلالة ذلك ان دولتنا لم تسحب اعترافها بالدولة السورية وبمؤسساتها .
كذلك فان الاردن لم يغلق حدودة مع سوريا، وان سبب عدم استمرار فتح تلك الحدود مرده الى انتفاء وجود الجيش النظامي/الجيش العربي السوري على الجانب الآخر، والذي خضع الى سيطرة المجموعات المسلحة على الحدود . ان في ذلك رسالة واضحة تمثل ثوابت أردنية من أن بلادنا لا تتعامل رسميا الا مع الحكومات.. ولم تكن سوريا اسثناء الذلك.
ان التواصل مع الدولة السورية لم ينقطع وبقي مستمرا عبر اجتماعات ضباط ارتباط من كلا الجانبين، هذا ما اكده الجنرال فريحات ولم يتم نفيه من الاشقاء في دمشق.
و لتأكيد تلك الحقيقة، كانت استضافتني قناة الجزيرة في ليلة احتلال المسلحين لنقطة الحدود السورية الأردنية/»مركز نصيب»، حيث شاركني في ذلك اللقاء على الجانب الآخر أحد مسؤولي المسلحين الذين سيطروا على تلك النقطة، والذي طالب بدوره الحكومة الأردنية بالتنسيق مع المسلحين لفتح الحدود الأردنية السورية. وكانت ردي بالقطع «ولم أكن بأي موقع مسؤولية» أنّ هذا الطلب لن يتحقق، لمعرفتي بثوابت السياسة الأردنية، التي تقوم على التعامل مع السلطات الشرعية في الأقطار العربية فقط، ولا تتعامل مع ميليشيات عسكرية أو تجمعات سياسية كممثل بديل لحكومات تلك الأقطار. وفعلا وفي اليوم التالي كان وزير الداخلية الأردني قد أصدر قراره بعدم فتح تلك الحدود او التنسيق مع المسلحين من الجانب الآخر، ما دامت أجهزة الحكومة السورية المختصة غير موجودة.
وكان رئيس الأركان بين كذلك أنّ الأردن درب بالفعل سوريين على أرضه، الا انّ هذا التدريب كان لأبناء العشائر وكان بقصد مواجهة قوى الارهاب (داعش والنصرة) .. وليس مواجهة الجيش النظامي/ الجيش العربي والسوري، اي ان بلادنا لم تذهب بعيداً في النظر الى الصراع في سوريا والى اهمية رسم معالم هدف محدد هناك وهو مواجهة قوى الارهاب ... دون غيرها.
-3-
وقد توج رئيس الأركان رسائله تلك باشارته الواضحة الى امكانية ان يكون هناك دور أردني سياسي أو عسكري أو أمني في جنوب سوريا، خصوصا وانّ قوى الارهاب المعادية للأردن تقف على مسافة تقل عن كيلومتر واحد عن الحدود الاردنية، ولدى هذه القوى أسلحة ثقيلة وتهدد أمننا الوطني. والتي عبرت عن أهدافها الخبيثة عبر مجموعة من العمليات الارهابية التي شهدها الأردن في العام الفائت . وهنا فانني أجزم أن القضاء على تلك المجموعات الأرهابية انما هو مصلحة أردنية كما هو مصلحة سورية، وان على الجانبين التنسيق فيما بينهما لانجاز ذلك.
-4-
ان زيارة جلالة الملك الى موسكو، والتناغم الواضح مع روسيا فيما يتعلق بالشأن السوري، وزيارة الملك إلى الولايات المتحدة ولقاءاته المنتظرة مع طواقم الادارة الجديدة وتلك السياسة الاردنية التي استطاعت ان تحافظ على توازنها والابقاء على تواصل عملي ومستمر مع القوتين الاكثر تأثيراً في الامر السوري وهما امريكا وروسيا ،وقبل ذلك حديث رئيس الأركان الذي صبّ في ذلك التناغم، واعاد التاكيد على الثوابت الأردنية، انما يعنى بأنّ الأردن مقبل على تطوير تحالفاته، ولا أقول تبديل تلك التحالفات، فالأردن يمكن أن يكون ضمن التحالف العربي في مواجهة التغلغل الايراني، دون أن يتعارض ذلك مع دور ايجابي في المسألة السورية، يؤدي الى اعادة السلام الى هذا البلد الشقيق، على قاعدة وحدة الدولة السورية أرضا وشعبا، وذلك عبر جمع اطراف المعادلة السورية، «الحكومة والمعارضة المعتدلة» ، واتفاقهم معا على الشكل والمضمون المستقبلي لدولتهم.
ان الرهان على مؤتمر جنيف في الشهر القادم يحتاج الى بلورة موقف عربي مشترك ازاء الازمة السورية بعيدا عن الانحيازات او الاصطفافات السابقة. فالموقف العربي الايجابي كفيل بدفع مؤتمر جنيف القادم نحو النجاح ، والموقف العربي الموحد هو ضمانة الابقاء على الهوية العربية للدولة السورية وعدم وقوعها في فخ الطائفية والمذهبية اللعين الذي سبق لعراقنا العربي ان وقع في مصيدته ولا زال منذ عام الغزو الامريكي للعراق يعاني ايما ..معاناة ..
وان ما يعزز ذلك و يرفع درجة التفاؤل نجاح مؤتمر استانة بوقف شامل لاطلاق النار، والمتغيرات العملياتية على الأرض، و الموقف الجديد المنتظر للادارة الامريكية بل وتراجع الاوربيين والاتراك عن (عقدة المنشار)في الموضوع السوري، وأقصد تخليهم عن شرط تنحي الرئيس الأسد ..وكلها عوامل شكلت مناخا إيجابيا نحو الحل الشامل للقضية السورية.
-5-
انطلاقا من ذلك كله، فانه ينبغي على الحكومة الاردنية، ان تبادر الى خطوات عملية واجرائية من شأنها ترجمة التوجهات الملكية بتطوير تحالفات الأردن وتمكينه من تحقيق غاية نبيلة منتظرة، تدفع بالأزمة السورية نحو الحل، بل وترتيب البيت العربي على نحو يعيد للعرب ودهم المفقود وتواصلهم المنقطع. فحالنا اليوم ليس بها منتصر فالكل خاسر ... و غيرنا هو الرابح.
والله والوطن .. وراء القصد