يعتبر الفساد استغلالا غير قانوني لمركز قانوني يشغله شخص ما من اجل تعطيل او اعادة توزيع موارد الدولة وحقوق افراد المجتمع على اسس شخصية بما يخالف القانون .
تعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعادا واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها وتختلف درجة شموليتها من مجتمع لآخر.
لقد حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الاخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، وكذلك تم تعريفه وفقا لبعض المنظمات العالمية حتى أصبح ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع او نظام سياسي منها.
الفساد في معاجم اللغة هو في فسد ضد صلح والفساد لغة البطلان، فيقال فسد الشيء اي بطل واضمحل ويأتي التعبير ايضا عن معان عدة بحسب موقعه، فهو الجدب او القحط كما في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
هناك اتجاهات مختلفة تتفق كون الفساد هو اساءة استعمال السلطة للكسب الخاص اما في بلدان العالم الثالث فان الفساد في مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاه الاجتماعي لتصل لحد كبير، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة، فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية للدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي وتحط العلاقات المجتمعية فيبطئ من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي.
أما ثقافة الفساد فانه يمكن التفرقة بين ثلاثة انواع منها بمعنى انها
قضية ذات ابعاد ثقافية ومؤسسية بالأساس، بمعنى الحد الادنى من الاهتمامات والقيم المشتركة تجاه قضية الفساد والانواع هي:
اولا: ثقافة متعايشة مع الفساد وتعتبره جزءا من مقتضيات الحياة وطبيعتها، وهي أشبه بمن ألف الخطيئة عن قصد او عن جهل.
ان من أكثر الدول التي يبدو انها تعايشت مع الفساد وفقا للتقارير الدولية والمحلية هي بنجلادش، تشاد، هاييتي، انجولا، تركمانستان، ونيجيريا.
أهم خصائص هذه الثقافة ان كلمة فساد نفسها قصرت معناها الاصلي في اللغة الام للبلاد، ليحل محلها مصطلحات اخرى تجعل من الفساد أقرب الى نوع من المجاملة اللطيفة او حتى الصدقة المفروضة عرفا.
من المؤشرات التي لا تخطئها عين في هذه البلدان ان صاحب المصلحة حين يتقدم بطلب لجهة حكومية او غير حكومية فانه لا يحتاج الى استيفاء الشكل الرسمي بتقديم طلب، وفي هذه الحالة يكون البناء الاجتماعي غير الرسمي قد ابتلع تماما البناء الرسمي، بما يعني انه فعليا لم يعد للدولة بمؤسساتها وقوانينها دور حقيقي في تحديد من يحصل على ماذا وباي حق وفي اي توقيت.
مع الاسف فهناك عدد من الدول العربية التي بلغ الامر بها لهذا المستوى من التعايش مع الفساد بحكم الانهيار المؤسسي للدولة كما هو الحال في الصومال والسودان والاراضي الفلسطينية وغيرها، حيث ضعف الدولة الشديد وعدم قدرتها على السيطرة على كامل ترابها الوطني ادى لذلك.
لا بد من وجود أئمة مساجد أو قساوسة وكتب مدرسية ليحاولوا بدرجات متفاوتة من النجاح ان يمسكوا بالجمرة، جمرة الاخلاق ويكون هناك جهاز دولة اداري ومؤسسات منتمية تكشف الخلل وتراقبه، وكذلك هناك صحفيون واعلاميون شرفاء يرصدون الوقائع وهناك قضاة نزيهون يحاربون من اجل الاستقلال عن اغراءات المال.
ثانيا: هناك ثقافة قابلة للفساد المشروط فهي ثقافة تقبل بالفساد طالما انه تنطبق عليه بعض الشروط مثل فساد من اجل الحد الادنى من الكفاف.
هذه الثقافة تحارب الفساد لفظا، لكنها لم تنجح في تطوير اجراءات عملية لمواجهته لان العقول تعاني من ركود القبور والبطون تعاني من فراغ طاغ يسحق الارادة لكن لا يبدو واضحا في بعض الدول العربية ما هي آليات محاسبة المخطئ ان أخطأ وان ظل انتقاد الفساد والمفسدين خصيصة اصيلة، فالجسد لم يزل يقاوم المرض حتى وان صاب بعض اجزائه، والمشكلة ان هذه النوعية من الثقافة انها سهلة التدهور للحالة الاولى ان لم ترق للحالة الثالثة من رفض الفساد ومطاردته.
ثالثا :ثقافة رافضة للفساد اما لأسباب ثقافية بالأساس مثل اليابان وسنغافورة او لأسباب مؤسسية تتعلق بنجاح مؤسسات الدولة بضبط ايقاع المجتمع مثل الدول الاسكندنافية ،وهو ما يخلق ما يسمى بمناخ النزاهة .
بيد انه لا يوجد مجتمع محصن ضد الفساد الا اذا ادرك كيف يظهر وكيف ينتشر وكيف يمكن وقف زحفه.
أما المراقبة في المجتمعات والدول لا تمارسها جهات محددة بعينها بل هي مسؤولية جماعية مجتمعية ،فالرقابة ومراقبة كافة اوجه القصور والفساد والافساد مسؤولية تضامنية تراكمية ،ويقصد بالتراكمية انها سلوك تلقائي نتيجة غرس قيم تنمي الصالح العام وتعليه في نطاق الصالح الخاص ،بمعنى اوضح انها قيم تغرس مع اللبنات الاولى لتكوين العقل وبناء الوعي لتنعكس بتلقائية على السلوك.
اذا كانت سلطة الدولة مطلقة للحفاظ على امن المجتمع فإنها تتعطل وتتوقف عندما تعجز عن القيام بواجبها وتلقي القبض على اللصوص والفاسدين ،كما ان هناك شلل ممتدة تحترف الفساد والافساد وتسيطر على الاجهزة وتسبب الدمار والخراب .
لا بديل للأجهزة الا اجتثاث الفساد الذي يؤدي بالتالي الى الانهيار والنجاح بذلك اهم من مكافحة الارهاب وهي مهمة مقدسة تنقذ البلاد والوطن .
في مجتمع لا يكف عن الانين بحثا عن العيش الكريم وتخفيف البطالة تصبح الحرب على الفساد هي اشرف وانبل الحروب التي لا تقل قداسة عن حرب استرداد ارض الوطن.
ان مكافحة الفساد هي احدى اسس الشرعية الاخلاقية لأي نظام حكم ،واذا كان صندوق الانتخابات يمثل شرط ابتداء لشرعية نظام الحكم فان النزاهة ونظافة اليد ومكافحة الفساد هي احدى اسس الشرعية الاخلاقية ،ومحاربته تكون ضد كل صور الفساد المالي والسياسي والمهني والمجتمعي .
احدى نظريات تفسير ظهور الفساد وانتشاره هي النظرية المؤسسية ،ووفقا لهذه النظرية فان الاصل ان الفساد يظهر بحكم عوامل ترتبط بمؤسسات الدولة ذاتها التي تقوم بدورها في مرحلتين ،مرحلة ظهور الفساد ثم مرحلة تحويله الى ثقافة عامة.
يظل فساد مؤسسات الدولة فرضا قابلا للاختبار حتى يتأكد لقطاع واسع من المواطنين ان عددا كبيرا من المؤسسات تعاني من نفس الخلل ،وهنا لا يكون الفساد شائعة او انطباعا او رأيا عاما وانما يتحول الى ثقافة يتناقلها افراد الاسرة من جيل الى جيل.
ان بداية الفساد في المجتمعات الحديثة لا بد ان ترتبط بخلل مؤسسي في جهاز ما ثم يتحول الشعور بانتشار الفساد الى انطباعات عامة اذا ثبت للمتعاملين مع هذه المؤسسة مرة اخرى لتدحض هذه الانطباعات الى رأي عام يسود بين الناس ،ومع زيادة رسوخه يتحول الى ثقافة بحكم مؤسسات التنشئة يتناقلها الافراد من جيل الى جيل ،لذا لا بد من التدخل المؤسسي مرة اخرى لوقف التدهور الثقافي .
تكون نقطة البداية دائما بقمة هرم السلطة في اية مؤسسة، اما الدولة فهي مؤسسة المؤسسات ،بحيث لا يكون اي تسامح من اي نوع مع اي فساد ،ويرتبط الحكم النزيه بالديموقراطية ،ليس من قبيل المثالية السياسية ولكن لأسباب موضوعية تماما .
اثبتت الدراسات المختلفة ان الديموقراطية في ذاتها عائق للفساد حتى ان لم تقض عليه تماما بحكم ثلاث آليات تأثير على الاقل :
اولا :التداول السلمي للسلطة يوفر البنية المؤسسية التي تكشف عن الفساد .
ثانيا : تعدد مراكز صنع القرار داخل الدولة ورقابة اجهزتها بعضها بعضا يكشف عن ذيول الفساد ،ان لم يكن كلها بما يتيح للصحف المعارضة والمستقلة خيوطا يمكن لها ان تسير وراءها لتكشف ما هو اعظم واخطر.
ثالثا : ان وجود اعلام مستقل وقضاء مستقل ومجتمع مدني قوي ،وهي كلها من خصائص الديموقراطيات الراسخة ،تكشف الفساد بعد ان يقع وتردع الفاسدين المحتملين قبل ان يقدموا على ممارسته.
ان الآثار المحددة والنتائج السلبية لتفشي ظاهرة الفساد المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم ابناء الشعب ،فتهدر الاموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل اداء المسؤوليات ،وانجاز الوظائف والخدمات وبالتالي تتشكل منظومة تخريب وافساد تسبب مزيدا من التأخير في عملية البناء والتقدم، ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي .
ناهيك عن دوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس.
ان الفساد له آلياته وآثاره ومضاعفاته التي تؤثر في نسيج المجتمعات وسلوكيات الافراد وطريقة اداء الاقتصاد وتعيد صياغة نظام القيم .
الفساد من حيث مظهره يشمل انواعا عدة منها:
اولا :الفساد السياسي ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والاحكام التي تنظم عمل المنسق السياسي ( المؤسسات السياسية ) في الدولة ،ومع ان هناك فارق جوهري بين المجتمعات التي تنتهج انظمتها السياسية اساليب الديموقراطية وتوسيع المشاركة بين الدول التي يكون فيها الحكم دكتاتوريا وفرديا ،لكن العوامل المشتركة لانتشار الفساد في كلا النوعين من الانظمة تتمثل في نسق الحكم الفاسد ( غير الممثل لعموم الافراد في المجتمع وغير الخاضع للمساءلة الفعالة من قبلهم ).
تتمثل مظاهر الفساد السياسي في الحكم الديكتاتوري وفقدان الديموقراطية وفقدان المشاركة وفساد الحكام وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية.
ثانيا: الفساد المالي: ويتمثل في مجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والاحكام المالية التي تنظم سير العمل الاداري والمالي في الدولة ومؤسساتها.
ثالثا: الفساد الاداري: ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الادارية والوظيفية والتنظيمية
رابعا: الفساد الاخلاقي والمتمثل في مجمل الانحرافات الاخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الشخص وتصرفاته.
يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام واضعاف مستوى الجودة ويؤثر على حجم ومستوى الاستثمار المحلي والاجنبي كما انه يفقد عامل الثقة بين الناس والمؤسسات. لذا لا بد من محاربة الفساد لأنه كالسوس ينخر في جسم الوطن ويهدمه ويدمره، فمحافظتنا على بلد نظيف ومتقدم ونام يجب ان يكون خاليا من الفساد.