أطفال جهاد النكاح قنابل موقوتة مالم نعالج أوضاعهم
سارة طالب السهيل
29-01-2017 12:00 PM
لم تقتصر جرائم داعش الارهابية في العراق وسوريا على ممارسة شتى صنوف التعذيب وسفك دماء الأبرياء وسبي النساء وهدم الانسان والرموز التراثية والحضارية في معطيات واقع شديد القسوة والدموية، لكن جرائم هذا التنظيم الشيطاني تمتد للمستقبل في جريمة اجتماعية وانسانية بالغة التعقيد ممثلة في أطفال جهاد النكاح.
وهذه القضية الشائكة التي باتت الالاف من الأسر التي تعرضت فتياتهن للسبي وتعرضن للاعتداء او ممن اشتركن فيما يسمي بجهاد النكاح ونتج عنها اطفال بلا هوية نسب ولاشرعية قانونية.
ولاشك ان من أطلق كافة الفتاوى المغلوطة لجهاد النكاح يتحمل مسئولية عظمى امام الخالق العظيم لأنه المتسبب في هذه الاعداد الغفيرة من الاطفال مجهولي النسب والذين يقدرون بالألاف، وينحدرون لآباء غير عراقيين وغير سوريين، ولا يحملون هوية الأحوال المدنية، الامر الذي يتطلب تنسيق جهود المجتمع الانساني في بلادنا خاصة الخبراء في الشريعة والقانون وعلم الاجتماع لوضع حلول لمشكلاتهم الاجتماعية ومستقبلهم.
فهؤلاء الاطفال غير الشرعيين لا يعرفون شيئا عن آبائهم حتى عن أمهاتهم لانهم ثمرة فاحشة الاعتداء تحت مسمى فتوى مضللة لجهاد النكاح، ومن ثم فهم لا يملكون أية وثائق رسمية خاصة تحدد هويتهم في المستقبل القريب مما يجعل منهم قنابل موقوتة في وجه المجتمع الذي يعيشون فيه سواء بالعراق او سوريا.
وتكمن مشكلة كبرى أخرى في امكانية استخدام الدواعش او جماعات متطرفة، هؤلاء الاطفال الضحايا في المستقبل القريب عبر تجنيدهم لضرب الاوطان مجددا اذا ما استغلوا أي ضعف في هذه الاوطان.
أزمة مستقبل
ولا شك ان الأطفال مجهولي النسب سيواجهون أزمات لا طاقة لهم بها كأطفال أبرياء، حيث يحملهم المجتمع تبعات جرائم وفواحش ليسوا مسئولين عنها، وبالتالي ينبذهم المجتمع ويعبر عن رفضه لوجودهم ويمارس أقصي درجات التهميش ضدهم، و يعانون من القوانين المعمول بها والتي ترفض فكرة السماح بتبنيهم، ومن ثم يتم حرمانهم من ممارسة الحياة الطبيعية لانهم ولدوا بطرق غير شرعية.
كما ان المجتمع لا يرحم امهاتهم اللواتي أجبرن على هذا السفاح فتتعرض الأم وطفلها لأقصى درجات التهميش والاقصاء الاجتماعي، وتعيش الامهات واطفالهن تحت وطأة مشاعر الخزي والعار الذي يشعرهن به المجتمع.
في حالة السبايا او السيدات اللواتي تم اجبارهن على هذا الوضع و هن على عكس اللواتي ذهبن عن رغبة وقناعة بان يكن زوجات لساعات تحت مسمى نكاح الجهاد فالأمر هنا يختلف.
فهناك الضحايا اللواتي اخذن رغما عنهن ظلما وضلالا وبهتانا فعانين شتى انواع الذل والمهانة وانتهاك الكرامة والإنسانية وحقوق الإنسان فهؤلاء هم اخواتنا العفيفات يجب ان نقف جميعا معهم ولنصرتهم.
وفي تصوري ان المجتمعات العربية في أشد الحاجة الى ان تتجاوز أنظمتها الاجتماعية العقيمة وعاداتها البالية التي تنظر للضحية على انها مجرمة وتعاقبها على جريمة لم ترتكبها، وان تنفتح مجتمعاتنا علي قيمها الانسانية والحضارية الراقية التي تحترم حق الانسان في الميلاد والحياة الكريمة دونما سخرية أو اقصاء خاصة اذا وقعت تحت ظروف قهرية ليس له ذنب فيما خلفته من أزمات.
أما من شاركت في هذه الزيجات غير الشرعية عن قناعة و بمحض الإرادة فكل الأسف على هكذا قيم و مفاهيم و كل الأسف على المدارس والكتب والمجتمع ورجال الدين والاهل والاعلام فجميعهم مسؤولون عن إنتاج هكذا عقليات فارغة يسهل تعبئتها بالأفكار المدمرة أخلاقيا و تربويا و دينيا.
وهذا المأزق الشرعي والقانوني والاجتماعي لأطفال مجهولي النسب ضحايا داعش الشيطانية، يتطلب تضافر جهود المتخصصين في حقول علم الشرع والفقه والاجتماع في ايجاد صيغة تمنح هؤلاء الاطفال الابرياء شرعية وجودهم القانوني حماية لمستقبل هؤلاء الاطفال من الضياع الاجتماعي، وحماية للمجتمع نفسه من ان يتحول هؤلاء الاطفال إلى وحوش ضارية في المستقبل تدمر من لم يرحمها في طفولتها البريئة.