ليس من المعقول في ظل هذه الزلازل السياسية والإقتصادية التي تضرب العالم من شرقه الى غربه أن نبقى نقرأ في دفتر يوميات أحلامنا، فالمستقبل يخترق عمر الدولة بسرعة ضوء الأيام المتعاقبة، والزمن يبتلع سنوات العمر بكل شراهة،وطبقة المسؤولين الموجودين في ساحتنا السياسية هم أنفسهم منذ عقود، وهم يتذكرون الماضي ويشهدون الحاضر وييستطيعون قراءة المستقبل المؤقت على الأقل، ومع هذا أصابنا العجز عن إجتراح حلول إقتصادية وسياسية للمواجهة مع الظروف الضاغطة، في ظل حرب استنزاف سياسي واقتصادي يطول شرح أسبابه المعلنة والخفية .
ترامب جاء محققا لأحلام «الأصولية البيضاء» في الولايات المتحدة، وهذه الأصولية هي ذاتها التي شاركت في إعادة تنصيب باراك أوباما لرئاسة ثانية، وهي التي شهدت تطور الوضع الإقتصادي الداخلي في الولايات المتحدة واستفادت منه، ومع ذلك إنساقت الأغلبية الضئيلة خلف الخطاب الترامبي المحرض والمؤجج لشهوة المصالح الذاتية، وهو يعلن أن لكل شيء ثمناً، حتى تحركات جيشه لها ثمن، ولهذا فلم يعد مخجلا أن نضع قائمة مصالحنا على طاولة أي إتفاقات أو تحالفات، تحمينا أولا وتعيد الإستقرار للمنطقة
الأردن في ظل عهد الرئيس ترمب لا يمكنه الوثوق كثيرا بالأماني، فالرجل لا يخفي إنحيازه ضد العرب والمسلمين، وأول إجراءاته توقيعه مرسوما يمنع مؤقتا دخول رعايا ست دول عربية إضافة الى إيران،مع أن الترجمة السياسية التي يرددها الجميع لتهديداته ضد إرهاب التطرف الإسلامي هي أنه يقصد تنظيم داعش الذي ورثه عن سلفه أوباما، ولكن داعش في أغلب عملياته كانت ضد دول أوروبية، وهو رغم تسريبات فريقه بأنه لم يقرر بعد نقل السفارة الأمريكية الى القدس، فلن نكون في الوضع الآمن حتى يقر صراحة بعدم نقل السفارة، ومنح نتنياهو تعميد جديد للسيطرة على القدس الشريف، ما يعني دفن عملية السلام نهائيا والعودة الى خمسين عاما من اليوم.
لهذا كان من الضروري لجلالة الملك الإستعجال في الوصول الى واشنطن حيث كبار قادة الكونغرس وطاقم إدارة الرئيس ترمب، للتأكيد على التفاهمات السابقة والسياسة الأمريكية تجاه مدينة القدس التي يهددها خطر الإستيطان بعد الموافقة الأخيرة الإسرائيلية لبناء مئات المساكن في الأراضي المحتلة لخنق المدينة المقدسة،ومن الضروري أن يحمل الملك تصوره لمستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط برمته المرتكزة على حل القضية الفلسطينية وإنهاء جرائم الإحتلال ضد الفلسطينيين ، لأن هذا بداية الطريق نحو الحرب الأخيرة ضد الإرهاب الذي قتل آلاف العرب والمسلمين في بلادهم ، ولم يقتل إسرائيليا واحدا داخل دولتهم.
في الجانب السوري،من المهم للجميع أن يعوا خطر المرحلة المقبلة بعد التفاهمات الروسية الأمريكية والتركية الإيرانية المتعلقة بحل القضية السورية، فالدولة السورية القادمة هي ذاتها الدولة السورية التاريخية، وإن بقي النظام مؤقتا أو جاء بديله، فمن المهم أن لا تضيع المصالح الأمنيّة والاقتصادية والسياسية الأردنية في الجارة الشمالية ، فلا تزال الأراضي الشاسعة هناك خصوصا في الجنوب والشرق مرتعا خصبا للجماعات المتصارعة، وجاذبا طبيعيا للإرهابيين الذين سيضيق الخناق عليهم، ومسألة تأمين حدودنا الشمالية والشرقية هي ضرورة قصوى، لا تقل عن ضرورة جدار المكسيك بالنسبة لترمب.
الجبهة الثالثة التي يصارع فيها هي الوضع الإقتصادي المتأزم، وأي إخلال أو تأخير أو تقليص لحجم الدعم العسكري للأردن، يعني مواجهة متغيرات مجهولة، رغم وعي شعبنا لأهمية بقاء الجبهة الداخلية قوية ومحصنة، فإن الإنشغال بالقضايا الثانوية والتراشق الفوضوي وتقاذف التهم هي أخطر ما نخشاه في ظل المرحلة الصعبة التي ننتظر فيها المخاض العسير لما سينتج عنه المستقبل القريب، في سوريا وواشنطن والقدس، وكثير من الناس لا يعرفون الهجمة الخفية التي تعرض لها الأردن وقيادته من قبل المعسكر الصهيوني، فهم يقولون أن الأردن هو الوحيد الذي يعارض نقل السفارة بسبب الوصاية الأردنية على القدس الشريف .
الأردن بحول الله، كان ولا يزال قويا وصابرا لأنه لم يغلق حدوده أمام أي لاجىء أو هارب من ويلات الحروب التي دمرت بلادهم، وهو يصارع على ثلاث جبهات عسكرية وسياسية واقتصادية،وهو بحاجة الى وعي ونصح من المخلصين والقادرين على العمل ممن هم اليوم في بيوتهم يراقبون بصمت، ولدعم عربي وغربي ليبقى قادرا على القيام بمهماته الإنسانية،وإلا فالبدائل لن تكون في صالح أي دولة أخرى.
Royal430@hotmail.com
الرأي