ثلاث رسائل في عيد ميلاد قائد الوطن
د.نبيل الشريف
28-01-2017 10:41 PM
نحتفل هذا العام بعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني وسط اعتراف عالمي متزايد بالمكانة الرفيعة لبلدنا وقائدنا ، فقد أصبح الأردن بفضل جهود مليكه وفطنته السياسية وحرصه على أخذ زمام المبادرة عاصمة للحكمة ومفتاحا من مفاتيح الحل لمشاكل المنطقة والعالم .
كما أن أنظار العالم العربي ترنو نحو الأردن و الآمال تراود كل العرب الغيارى بأن تشهد القمة العربية التي ستلتئم في بلادنا في شهر آذار القادم بداية انفراج في أوضاع العالم العربي المتردية وانعطافة حقيقية نحو الخروج من حالة الضعف والهوان التي رانت طويلا على الجسد العربي المنهك.
كما يتزامن احتفالنا هذا العام بعيد ميلاد قائد الوطن مع ترسخ الشعور والإحساس بأننا تجاوزنا فعلا وتخطينا المرحلة الأصعب في تاريخ المنطقة المعاصر التي هدفت إلى تمزيق الخارطة العربية وازدادت فيها المؤامرات ما ظهر منها وما بطن ، وقد كان نجاحنا أسطوريا باعتراف خيرة المحللين والمتابعين ، فلم تنج من هذه السنوات العجاف دول تفوقنا في عدد السكان وفي الموارد الاقتصادية.
إن عيد جلالة ميلاد جلالة الملك هذا العام ليس كغيره من الأعياد، فهو مناسبة للتأكيد على قدرة الأردن ليس فقط على الصمود والنجاح بل أيضا على التربع في مواقع التأثير والريادة عربيا وعالميا رغم كل الظروف الصعبة ، وذلك بفضل التفاف الشعب حول قائده الذي اجترح مقاربات إبداعية خارقة للإبحار بسفينة الوطن بأمان رغم التحديات الكبيرة التي لم تبق ولم تذر.
إنه ، بمعنى آخر ، احتفاء أيضا بصمودنا نحن ونجاتنا ، بفضل حكمة قائدنا ووعي شعبنا ، من البحار المتلاطمة والعواصف العاتية التي اجتاحت المنطقة وجعلت عاليها سافلها ، كما أنه إقرار بالمكانة السامقة التي يتمتع بها الأردن وقائده على الساحتين العربية والعالمية.
إن هذه " الخلطة الأردنية " الفريدة التي امتزجت فيها عناصر القيادة الحكيمة والشعب الواعي هي التي أنتجت هذه المعادلة التي أبهرت العالم واستطاع فيها بلد محدود الموارد والمساحة ليس فقط أن ينجو في الوقت الذي لم يصمد فيه غيره بل أن يصبح عاصمة للحكمة ومفتاحا لحلول الأزمات.
ويعلم الجميع أن سؤال كيف نجا الأردن وغرق غيره كان ولايزال موضع البحث في الندوات والجلسات المتخصصة في مراكز الدراسات في العالم كله، وكان محورا للتقارير الإعلامية بكل لغات العالم.
والسؤال الأن هو : كيف نحتفي هذا العام بعيد ميلاد القائد بما يليق بفرادة وتميز هذه المناسبة؟
يعرف الأردنيون حق المعرفة أن جلالة الملك عبد الله الثاني ينفر من المحسنات البلاغية ومن الكلمات الفضفاضة ، وقد عرفناه قائدا عمليا لا يستهويه الحديث المرسل والعبارات الإنشائية الجوفاء. ولذا فإن الاحتفال الذي يليق بهذه المناسبة الغالية هو ذلك الذي يبتعد عن الجماليات والشعارات اللفظية ، ويقدم عوضا عن ذلك مقاربات عملية واقتراحات محددة .
وانطلاقا من هذه الاعتبارات ، فإني أقدم فيما يلي ثلاثة رسائل بين يدي الاحتفال بهذه المناسبة الجليلة قد تعين عند التفكير بكيفية الاحتفاء بعيد ميلاد القائد في المجالات التي تعزز رؤيته وتدعم جهوده الكبيرة المباركة:
1- نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها وطننا ، يجب التفكير جديا في اختيار طريق التكافل المجتمعي والاعتماد على الذات وإطلاق المشاريع الإنتاجية وتحويل الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى واقع ملموس ، فمع التقدير الكبير لأحبائنا وأشقائنا الذين وقفوا معنا دائما ولم يبخلوا في دعم اقتصادنا بكل السبل ، فإن تغير الظروف والأوضاع يملي علينا ألا نبقي خيارا دون التفكير فيه والأخذ به لخلق ثقافة جديدة وواقع جديد يقوم على اعتمادنا على أنفسنا وعلى قدرات أبنائنا.
2- التصدي الفكري للتطرف : كان جلالة الملك أوضح صوت ارتفع على الساحة العالمية معلنا ، من موقع انتمائه الأصيل لوطنه وأمته وبحكم ارتباطه الشريف بالدوحة النبوية المباركة ، رفضه الحاسم للإرهاب ولتشويه صورة الإسلام من قبل خوارج العصر مؤكدا على ضرورة التصدي فكريا لخطاب التطرف وعدم الاكتفاء بالمواجهة العسكرية على أهميتها . فقد اعتلى جلالته أهم المنابر العالمية وخصص مساحات واسعة في أوراقه النقاشية للذود عن الإسلام من التشويه الذي ألحقه به الخوارج والإرهابيون .
ولكن ماذا فعلت مؤسساتنا المختلفة لمواجهة المعركة الأهم في التصدي لخطاب التطرف الا وهي المواجهة الفكرية؟
إن الإجابة الصادقة على هذا السؤال تدفعنا للقول أن ما بذل في هذا الإطار غير كاف ويفتقر إلى التنسيق والتكامل ووحدة الرؤية ، وإننا بحاجة ماسة إلى جهد مضاعف وعمل دؤوب للتصدي للفكر المتطرف ومقارعته وإبراز خوائه وعدم تمثيله للإسلام من قريب أو بعيد.
3- بث روح الأمل وتعزيز منسوب التفاؤل والثقة ونشر الطاقة الإيجابية في المجتمع بعيدا عن رسائل التشكيك و التيئيس والنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس ، فقد استطاع بلدنا تجاوز التحديات الوجودية التي عصفت بالإقليم وغيرت خارطة المنطقة فصمد وصبر وها هو ينتزع مكانته العربية والدولية التي تليق به.
إن بلدا يمتلك هذه القيادة وهذا الشعب قادر على مواجهة كل التحديات والأخطار، ويجب ألا يكون لثقافة الياس والإحباط مكان في أدبياتنا وخطابنا الإعلامي، لأننا اجتزنا الأصعب وقادرون على تجاوز ما دون ذلك بالمحافظة على وحدة صفنا وبالتمسك بروح الأمل والتفاؤل. ونحن نملك الكثير مما يستوجب الثقة أن الخير قادم وأن المستقبل سيكون مشرقا، وأن تحديات اللحظة سيتم تخطيها وسيبقى الأردن بشعبه الأصيل وقيادته الحكيمة منارة مشرقة بين الأمم.
وكل عام والوطن وقائده بألف خير.