مؤتمر الأستانا تفكيك للمأساة السورية
اسعد العزوني
28-01-2017 01:06 PM
خير وأصدق توصيف لمؤتمر الأستانا الروسي لمناقشة المأساة السورية ، هو أنه شرع في تفكيك المأساة السورية، لإعادة تركيب الصورة الجديدة لسوريا الجديدة ،وليس ترحيلا للأزمة كما هو متعارف عليه في الأزمات والمآسي الأخرى وفي مقدمتها المأساة الفلسطينية ،التي شهدت ترحيلات عدة لها، لتستقر حاليا في طور الشطب على يد وكيل الاحتلال الجديد عاشق الموسيقى الإسرائيلية ومدعي وجود السكاكين في حقائب أطفال فلسطين وعاشق التنسيق الأمني مع مستدمرة إسرائيل.
ستشهد الصورة السورية الجديدة تركيبة أخرى تخلو من الرئيس بشار"...." الذي باع سوريا بكل ما فيها لروسيا، وها هي روسيا تعمل على قدم وساق على بيعه للشيطان الرجيم ،وهناك معلومات تفيد أنه قد حسم أمره بناء على طلب الأم المنقذة موسكو بالرحيل و"شحن " ما غلا ثمنه وخف وزنه وتأمين مستقبل أسرته الضيقة في العاصمة الروسية.
لم تجازف موسكو بعقد مؤتمر الأستانا على الطريقة الأمريكية وهي التجريب ،واستبدال الفشل بفشل آخر كما تعاملت واشنطن مع القضية الفلسطينية ، بل كانت موسكو جد متأكدة من النتائج ، لأن حركة الدب الروسي محسوبة الخطوات، وليست كحركة الكاو بوي الأمريكي الذي يرمي الحبل باتجاه البقرة الهاربة مرات عديدة ليظفر بضربة واحدة.
لا بد من جردة حساب لمؤتمر أستانا وهي كالتالي :الرابح الأول ب"البريمو" او الكنز هي موسكو بكل تأكيد، في حين كانت إيران هي الخاسرة لأن حسابات السرايا لم توافق حسابات القرايا ،ومعروف أن إيران استثمرت المليارات في سوريا وبأشكال متعددة ،منها دعم الاقتصاد السوري ، من خلال أفواج السواح الإيرانيين إلى سوريا وعودتهم محملين بكل الأصناف من السوق السورية ، ناهيك عن دعم بشار شخصيا ، ولا يخفى الثقل الإيراني الشامل وراء بشار للإبقاء عليه رئيسا في سوريا ، دون علم مسبق بالضربة الروسية القاضية ، أما أمريكا فلا يجب الحديث عنها لأنها راحلة عن الشرق الأوسط.
موسكو مثل الفريك لا تقبل بشريك لها في سوريا ،وهذا ما يزعج طهران التي لن تسمح بتضحياتها في سوريا أن تذهب سدى، ولذلك سوف تقوم بكل ما بوسعها على ضرب اتفاق أستانا ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالحها في سوريا .
أما تركيا فيبدو أنها تتخبط يمنة ويسرة ولا تدري ما الذي يتوجب عليها فعله ،فها هو الرئيس أردوغان يغازل بشار"..." ،وهذه إشارة مهمة وخطيرة تلحق الضرر بسمعة تركيا ،كما جرى بالنسبة للعلاقات التركية – الإسرائيلية ،حيث اضطر أردوغان إلى تطبيع العلاقات مع مستدمرة إسرائيل بشروطها، وكذا فعل مع موسكو ،وها هو يتجه للتصالح مع امريكا ويطلب لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي المؤقت دونالد ترامب .
ما يمكن مناقشته أيضا من تحركات واكبت مؤتمر أستانا وشكلت روافع له إما بتخطيط متفق عليه أو بدون تخطيط، لكن النتيجة جاءت لصالح أهداف المؤتمر واولها بطبيعة الحال قيام موسكو بإعداد دستور لسوريا!!!! وتوجيه دعوة للمعارضة السورية لزيارة موسكو، ورغم اعتذار المعارضة السورية عن تلبية الدعوة ، فإنني واثق من تلبيتها لاحقا لأن المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري كانت على علاقات قوية مع موسكو قبل اندلاع الأحداث وتطورها.
أما ما يمكن الاستشفاف منه على نجاح مؤتمر الأستانا فهو إرهاصات المصالحة الخليجية –الإيرانية، ويقدر للكويت حملها لهذا الملف دون النظر إلى التفاصيل ، وهنا لا بد من توجيه اللوم الشديد للأردن الرسمي الذي فوّت عليه هذه الفرصة التاريخية ، كونه هو المؤهل والوسيط المحايد لتحقيق المصالحة المطلوبة ، ولكن الأردن الرسمي وبدفع مشبوه من قبل قوى خارجية لا تريد لهذا البلد ان يتقدم ويرتقي ، يتخذ موقفا سلبيا من إيران .
المصالحة الخليجية – الإيرانية ستثمر عن تهدئات عديدة مهمة ،وستحصد المنطقة من ورائها بعض الاستقرار والهدوء في سوريا ولبنان والعراق واليمن وعلى جبهة الخليج التي تغلي على صفيح ساخن بدأت درجة حرارته ترتفع شيئا فشيئا منذ مجيء الرئيس الأمريكي المؤقت ترامب.
أختم بأن سوريا الجديدة ستكون بدون بشار"..." ، وستكون تحت الوصاية الروسية إن لم نقل تحت الاحتلال الروسي ، وبذلك تكرس روسيا نفسها قوة عالمية تعرف كيف تدير الأزمات وتتحكم بالمآسي.