في وقت واحد تقريباً دخل الأردن ومصر معاً باتفاقيات إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي. عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر تأخذ مجراها وفق البرنامج بدون صعوبات تذكر. وحتى بعد اتخاذ قرارات في منتهى الصعوبة مثل تعويم الجنيه وهبوط سعره إلى أقل من النصف وتخفيض الدعم، وارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 15%، فإن الشعب المصري يبدو على استعداد لقبول التضحيات المطلوبة للوصول إلى اقتصاد وطني سليم وقوي، قادر على النمو وخلق فرص العمل ورفع مستوى المعيشة وتجنب الهزات والأزمات والاستغناء عن دعم الغرباء والأشقاء.
خشي البعض أن يتبخر احتياطي البنك المركزي المصري من العملات الأجنبية بعد تحرير أسعار الصرف والتعامل بالدولار بيعاً وشراءً على ضوء العرض والطلب في السوق الحرة، فكانت النتيجة أن احتياطي البنك المركزي المصري من العملات الأجنبية ارتفع من 14 إلى 24 مليار دولار، ليثبت أن عملية الإصلاح تعطي نتائج إيجابية.
السنة الماضية (2016) كانت الأولى في تطبيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، وكانت النتيجة أن الناتج المحلي الإجمالي في مصر حقق في 2016 نمواًً بنسبة 3ر4%، كما هبط معدل البطالة إلى 6ر12%.
الاقتصاد المصري يعاني من أوضاع صعبة متراكمة، قبل وبعد الهزات المتواليـة طيلة ست سنوات، والأعمال الإرهابية التي حاولت عبثاً أن تزعزع الاستقرار، ذلك أن الإنتاج الصناعي تراجع بنسبة 9ر4%، ومعدل التصخم ارتفع إلى 1ر13%، وعجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات يناهز 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الموازنة العامة يبلغ 4ر12% من الناتج المحلي الإجمالي، وسعر الجنية المصري لا يزيد عن أربعة قروش.
هذه المعطيات الصعبة إما أن تتجه إلى التحسن في ظل تطبيق برنامج جدي للإصلاح الاقتصادي، وإما أن تؤدي إلى أزمة كارثية تسحق الطبقات الشعبية. وقد اختار الشعب المصري أن يسير في طريق الإصلاح، وأن يقبل التضحيات المطلوبة بصورة زيادة في الرسوم والضرائب، وارتفاع في الاسعار، لأنه يعرف أن البديل أسـوأ، والأهم أنه يثق بحكومة تنفذ عملية الإصلاح بدقة، وتواجه الناس بالحقائق المرة، وتهمها النتائج العملية وحكم التاريخ، وليس الشعبية الرخيصة.
الشعب المصري يرفض الاستمرار تحت رحمة مساعدات أميركا وبعض الدول العربية التي تريد السيطرة على قراره وسياساته، وقرر السير في طريق الاستقلال الاقتصادي والاكتفاء الذاتي، وأن يدفع الثمن المطلوب من أجل مستقبل أفضل.
الرأي