إن في بعض ما أجمله أسلافنا العظام, في شذراتهم أو في أقوالهم المكتنزة بالحكمة, ما تنوء ببسط معانيه الاسفار. وإن من ذلك ما اثر عن احد رجالات الصدر الاول من الاسلام من قوله: «قولوا خيراً تعرفوا به, واعملوا به تكونوا من أهله, ولا تكونوا عجلاً (بضم العين والجيم) مذاييع بذراً (بضم الباء والراء).
والمذاييع هم الذين اذا سمعوا عن أحد فاحشة أو رأوها منه افشوها واذاعوها.
والبذر جمع بذور, وهو من يبذر الكلام بين الناس بالنميمة والفساد.
قرأت ذلك في كتاب الاسلام الهروي عن ذم الكلام واهله فرأيته اقرب شيء الى ما كتبته قبل ايام عن (سيكولوجيا الشائعة) اذ فيه توصيف لفئتين متقاربتين من الناس هم: «المذاييع» و»البذر» التي يتعجلون نشر ما يتلقونه بأفواههم – دون عقولهم – من لغط بالفساد والفاحشة, كأنما يحبّون ان يشيعا وأن يكون لهما هيلمان وسلطان, أو كأنما هم, وقد عدموا الخير في أنفسهم أو تقاصرت هممهم دون مراتبه ومراقيه يودّون أن يكون ذلك سمة عامة في المجتمع, أو مناخاً يوائم ما هم فيه, فهم لا يتلبثون, لا قليلاً ولا كثيراً ازاء ما ينتهي اليهم من شرر السيئات, بل يسارعون الى تسعيرها, استجابة لهذه النزعة في تبرير الضعف الاخلاقي بما هو حال سائدة تسوّغ لهم ما هم فيه من فشل وقصور, وتوهماً منهم بأن ذلك يحقق لهم حضوراً – هو زائف بكل معنى – أو فاعلية مشهودة في الآخرين.. ساء ما يتوهمون.
إن هذه الفئة من الناس موجودة في كل مجتمع, وهم أرض خصبة لمن يبتغون الفتن ويؤرثون نيرانها. كما انهم ظهير قائم لما يسمونه «الطابور الخامس» الذي هو أشبه ما يكون بحصان طراودة كما في الياذة هوميروس.
فإن تكن مواجهة حاسمة لكل ذلك, فأساس ذلك وعي الشعب وصدق إعلام الحكومة, وكل حديث دون ذلك – الا ما نعلّق به – فهو فضول من القول أو لغو ذاهب جفاء.
الرأي