مر وقت كان فيه الاقتصاد التركي ينمو بسرعة تثير الإعجاب ، مما أعطى شرعية لحكم حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي ، حتى احتل حجم الاقتصاد التركي المرتبة 17 عالمياً.
لم يعد الوضع كذلك في المدة الأخيرة ، فقد حدثت نكسة كبيرة ، ولم يعد أحد يتحدث عن صنع المعجزة الاقتصادية في تركيا ، أو عن كون تركيا نموذجاً للحكم الناجح.
ذلك أن النمو الاقتصادي في 2016 هبط إلى 9ر2% ، أما في الربع الثالث من السنة ، وهو أحدث فترة تتوفر إحصاءاتها ، فقد حدث نمو سالب أي تراجع بنسة 8ر1%.
وفي حين كانت الصناعة التركية تنمو بسرعة ، وتغمر أسواق المنطقة لرخصها ، انحدر معدل النمو الصناعي إلى ُخمس الواحد بالمائة.
أما تكاليف المعيشة ومعدل التضخم ، الذي انخفض في جميع دول العالم ، فقد ارتفع في تركيا إلى مستوى 8ر7%.
ارتفعت نسبة البطالة في العمالة التركية إلى 3ر11% ، اما الحساب الجاري لميزان المدفوعات ، الذي يقيس المركز المالي للدولة ، فقد حقق عجزاً بلغ 8ر4% من الناتج المحلي الإجمالي.
الموازنة العامة التركية تعاني من العجز في حدود 8ر1% من الناتج المحلي الإجمالي ، وسعر الفائدة على الليرة التركية ارتفع إلى 33ر11% ، وهي من أعلى النسب في العالم ، وتقيس درجة الخطورة وضعف الثقة.
أما العملة التركية فقد فقدت خلال سنة واحدة 1ر17% من قيمتها تجاه الدولار ، وبدلاً من أن يعادل الدولار 91ر2 ليرة قبل سنة ، أصبح يعادل 51ر3 ليرة في نهاية 2016.
عندما كان الاقتصاد التركي في حالة صعود مبهر ، كان الرئيس رجب طيب اردوجان ينسب هذا النجاح إلى حسن إدراته الشخصية ، أما الآن فإن المراقبين يحمّـلون مسؤولية النكسة والتراجع على كاهل اردوجان الذي ، كرئيس للجمهورية بصلاحيات دستورية بروتوكولية ، أخذ يمارس عملياً صلاحيات لا يملك مثلها سوى رئيس منتخب شعبياً في نظام رئاسي.
لقد طال انتظار تركيا على أبواب أوروبا على أمل قبولها في عضوية الاتحاد الأوروبي ، ولكن الموضوع أصبح الآن مغلقاً نهائياً ، لأن النظام التركي ليس ديمقراطياً ولا يرقى إلى الحد الأدنى من المستوى الأوروبي ، وقد ظهر على حقيقته بعد الانقلاب الفاشل الذي استعمل كمبرر للبطش بجميع فئات المجتمع التركي المدنية والعسكرية.
ملاحظة: مصدر جميع الأرقام والنسب المئوية الواردة في هذا العمود هو مجلة الاكونومست الإنجليزية (عدد 23/ 12/ 2016).
الرأي