لسنوات طويلة، كان العديد من المستخدَمين يعرضون أنفسهم على اللجان الطبية أثناء خدمتهم أو عند انتهائها، من أجل تقدير حجم الضرر الذي لحق بصحتهم جراء خدمتهم الطويلة، والإصابات التي تعرضوا لها أثناء قيامهم بالواجب.
والكثير من الأشخاص الذين عملوا في مهن وأشغال ميدانية خطرة، وبعض الذين أصيبوا أثناء أداء الواجب، استحقوا تعويضا ماليا عما لحق بهم من عطل أو عجز، بموجب التشريعات والقوانين.
الإصابات من جراء حوادث المرور، والمشاكل التي تصيب الجهاز التنفسي، والضغوط العصبية، وإصابات العمود الفقري، وغيرها من أشكال القصور التي يجري ربطها بطبيعة العمل، شكلت موضوعا من الموضوعات التي يتبادل العاملون في المؤسسات المواعظ والنصائح بشأن أهمية تدوينها والتحصل على التقارير الطبية وجمعها من أجل استخدامها عندما يحين الوقت لعرض الحالة على اللجان الطبية.
في معظم الأحوال، كانت اللجان تبدي تعاطفا مع الأشخاص، وتستجيب لرغباتهم في الحصول على نسبة عجز تمكنهم من الحصول على مقدار من المال يضاف على الراتب التقاعدي، ولتستقر هذه الممارسة باعتبارها هامشا إضافيا يمكن استخدامه لزيادة قيمة ما يحصل عليه الفرد عند تقاعد.
في الزمن الذي كانت فيه الرواتب محدودة، وكثير من الأعمال ميدانية وشاقة، كان ثمة معنى للحصول على "المعلولية"؛ أي التقرير الذي تصدره اللجان الطبية ويشير إلى نسبة القصور والعجز الذي أصاب الفرد جراء العمل ومخاطره. وكانت (المعلولية) مقبولة وربما محمودة؛ إذ كان يتحصل عليها الجنود الذين يصابون خلال التدريب أو القتال أو بالحوادث، وتضيف إلى مرتباتهم التقاعدية مبالغ قليلة.
لكن المشكلة الحقيقية في "المعلولية" تطورت بعدما أصبح بعض الموظفين ممن يشغلون أعمالا مكتبية لا تشتمل على أي من أنواع المشقة يتقدمون للجان الطبية؛ وعندما أصبح الجلوس على الكرسي مبررا للمطالبة بالتعويض، باعتباره سببا لمشاكل العمود الفقري أو الضعف البصري وغيرهما من الأسباب التي تضمن في رزم التقارير التي يحتفظ بها المستخدمون ليجري عرضها على اللجان، قبيل تحديد قيمة ما يتحصل عليه الفرد من التقاعد.
المطالبة بتقدير العجز بسبب العمل، أصبحت ظاهرة يمكن ملاحظة وجودها في الكثير من الأوساط والمستويات الإدارية والفنية؛ فقد أصبحت خيارا أمام بعض كبار الموظفين؛ إذ ربما تحصل عليها وزراء ومدراء عامون ونواب وأساتذة جامعات وسواهم. وبعض الذين يلجأون إلى هذا الخيار يعتبرون أنفسهم اكثر وعيا وفصاحة من غيرهم، وينظرون إلى ذلك كإنجاز يضاف إلى إنجازاتهم التي يتباهون بها في مجالسهم الخاصة، ويلومون أقرانهم ممن لم يلجأوا إلى هذا الخيار باعتبارهم قصروا بحق أنفسهم، وحرموا أسرهم مما يرون أنه حق.
لا أحد ينكر على الأشخاص الذين أصيبوا وتضرروا فعلا مثل هذا الحق، الذي ينبغي أن يقترن بالشكر والتقدير والعرفان. لكن المشكلة في لجوء البعض إلى ادعاء تضرره وإصابته، وعرض نفسه وتقاريره على اللجان، واستخدام كل وسائل الضغط من أجل حصوله على "المعلولية"، وبنسبة قد تقارب العجز التام، وبالتالي حصوله على أموال من خزينة الدولة باعتباره عاجزا لا يقوى على أي عمل. فالعديد من الأشخاص الذين تحصلوا على "معلولية" بنسب تشير إلى أنهم غير قادرين على العمل، عادوا للعمل في مؤسسات رسمية وغير رسمية، متجاهلين أن في ذلك خداعا وتحايلا على المؤسسة التي أقرت أن أحدهم مصاب، وقدرت حجم عجزه؛ كما على المؤسسة التي أعادت استخدامه بعد إخفائه أنه غير قادر صحيا -بموجب تقرير "المعلولية"- على العمل.
لجوء بعض من هم في مواقع عامة إلى مثل هذه الممارسات، يؤثر سلبا في صورة الموقع العام وهيبة الدولة وأخلاق الأمة. ووجود مثل هذه الحالات في إدارتنا العامة أمر يحتاج إلى معالجة علنية، لزيادة الثقة في مؤسساتنا وتحقيق مبدأ الردع العام.
الغد