توقف الدور الابوي للنظام يتطلب تفعيل الديموقراطية
علي السنيد
26-01-2017 02:50 PM
لا بد من احداث التوافق الوطني المطلوب على ضرورة دوام الامن والاستقرار في الاردن من خلال خطوات عملية تتعامل مع ضرورات المصلحة الوطنية، وليس برفع الشعار او استدرارالعواطف، وهو ما يلزم بتبريد الساحة المحلية، والافراج الفوري عن المعتقلين على خلفيات سياسية، وخاصة الاعتقالات الاخيرة التي طالت اصحاب فكر ورأي ، وعلى رأسهم النائب السابق وصفي الرواشدة ، وذلك لاعادة الوئام الى الصف الوطني.
ونحن لدينا تجربة مهمة في التعاطي مع حركة الاحتجاج الشعبي، ومظاهرتحرك الازمة الاقتصادية في البلاد، وذلك بافساح المجال للحالة الشعبية بان تعبر عن مكنوناتها بطريقة سلمية، وترك كافة الميول والاتجاهات الشعبية للحضور على الساحة الوطنية، وعلينا ان نواصل سمة الاعتدال في العمل الوطني ، وهي روح الدولة المرنة التي جنبت البلاد عواصف وانواء الربيع العربي، ولا مناص من استعادة هذه الروح في تمكين الواقع السياسي الاردني، ومنعه من الانزلاق نحو التطرف والعنف المتبادل. ومناط ذلك يكمن في تفهم طبيعة الشعب الاردني الخير، وحقه في التعبير عن ارادته الحرة وعدم قهره.
ومن الاهمية بمكان ضرورة ادراك خطورة ان تتنصل الدولة عن الدور الابوي الممارس لها منذ عقود، وان تنسحب عن دعم السلع والخدمات دون تفعيل الالية الديموقراطية في نظام الحكم وذلك لان السلطات التي تقدم على سياسات غير شعبية ماسة بحياة مواطنيها المعيشية يجب ان تكون اكثر تمثيلا لهم لتتمكن من اتخاذ مثل هذه القرارات الخطرة، وليكون الشعب مسؤولا عن خياراته، وبذلك تحافظ الدولة على استقرارها، وتصبح عملية الحكم اكثر كفاءة ورقابة على المال العام، ومحاسبة الفاسدين.
وهنالك ضرورة لدى العقل الجمعي للدولة لاعادة مراجعة مدى كفاءة عملية الحكم وقيامها بالمسؤوليات المطلوبة منها ، وتوخي المصداقية في فهم اسباب التراجعات المخلة في اداء المؤسسات العامة، وادراك خطورة غياب الرؤية التنموية عن برامج الحكومات وضعف وهشاشة الوزراء المعنيين بالملفات الاقتصادية الى الدرجة التي لم يعد يلمس المواطن من الحكومات سوى دورها الجبائي، وتحولت الدولة الى جهاز كبير للجباية وغاب الدور التنموي للحكومات مع ان التنمية هي اساس عملية الحكم، وهو ما افضى الى توسع دائرة الفقر والبطالة وتزايد حالة الاحتجاج و الشكوى والاحتقان المجتمعي .
ولا مناص من ان يكون الوزير صاحب رؤية فكرية في نطاق عمله الوزاري كي ينهض بالشؤون العامة المنوطة به سواء اكان في الوزارات السيادية او ذات الطبيعة الاقتصادية، والخدمية، وبقية اطراف عملية الحكم، فهل يعقل ان تكون وزارة الثقافة الغائب الابرز في ضوء تنامي وتفاقم حدة الفكر التكفيري الظلامي، وهل وزارة الاوقاف تقوم بدورها التنويري ام ان الخطاب التجهيلي ما يزال هو السائد.
ولا يليق ان تبقى الحكومات مجاميع متناقضة من السياسات، والمسؤولين، ولا رابط يجمع حتى بين اعضاء الحكومة الواحدة، وبحيث لا تستطيع تحديد وجهتها السياسية، وغايتها من عملية الحكم، وتغيب الاهداف الوطنية الكبرى، ولا تجد ان الرصيد الذهني والفكري والانجاز هو المؤهل في اختيار تركيبة الحكومات، وشركاء المسؤولية الدستورية.
وهنالك في كل وزارة بؤرة مظلمة، وتحتاج لاحكام الرقابة عليها ، وخاصة الدوائر المالية، ولا بد من تخليص الوزارات من احمالها، ونبذ الاهمال والاسباب التي افضت الى ترهلها وتناقص الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
ولا مناص من اجتراح حلول وطنية كبرى لمشكلة العاطلين عن العمل والمعاناة المترتبة على توسع دائرة الفقر وعلى ذلك تفعيل دور وزارة التنمية الاجتماعية لاعادة إنتاجية الفقير بدلا من ادامة فقره، والتوقف عن سياسة التعليم العالي العمياء المتمثلة بتدريس عشرات التخصصات النظرية، والزج بجيش من الخريجين العاطلين عن العمل سنويا.
وعلينا اعادة ربط سوق العمل الاردني بالاردني وليس بالعمالة الوافدة ، وكذا التنبه جيدا الى ما يجري من توسع دائرة المعاناة في مناطق الهوامش بما يقتضي ضرورة وضع خطة وطنية لاعادة الخاصية الانتاجية الى مناطق الريف الاردني، وحماية المهن التقليدية في المجتمع والتشجيع عليها وفي هذا المجال فوزارة الزراعة غير فاعلة.
وهنالك فرص ضائعة لصالح الدولة الاردنية تخص التقاعد المدني بحيث يتحصل على رواتب تقاعدية من هم ليسوا بحاجة لها من رؤساء وزارات ، ووزراء ونواب واعيان سابقون يملكون ثروات بالملايين وبعضهم بمئات الملايين، وقد سبق وان خاطبت دولة رئيس مجلس الاعيان الأستاذ فيصل الفايز وبحضور نحو 30 نائبا بضرورة الاستفادة من قانون التقاعد المدني المطبق في المغرب والذي لا يكلف خزينة الدولة المغربية فلسا واحدا ، وهو يربط بين دخل المسؤول من القطاع الخاص وسنوات خدمته، وبحيث ينشأ هذا القانون مؤسسة تشبه مؤسسة الضمان الاجتماعي في الاردن ويصار لاقتطاعات معينة من راتب الوزير او النائب او العين ، وبعد الخروج من الخدمة يتحصل المسؤول على راتب تقاعدي يتناسب مع سنوات خدمته مع الاخذ بعين الاعتبار دخله من القطاع الخاص او اية ايرادات يتحصل عليها بحيث اذا تساوت مع تقاعده لا يعطى شيئا، ويتم تكملة النقص في تقاعده من صندوق التقاعد، واذا لم يكن لديه شيء سوى راتبه التقاعدي فيحصل على هذا الراتب كاملا حتى اذا ما عاد للخدمة مجددا فيتوقف الراتب وتبدأ عملية الاقتطاع مرة اخرى.
وتجربة هذا القانون يمكن لها ان تحل المشكلة في هذا الجانب في الاردن بطريقة قانونية، وليس تحسنا او تفضلا من احد، وهي فعلا اموال ضائعة على الدولة الاردنية الفقيرة فبالله عليكم ما المغزى من ان يتقاضى رئيس وزراء سابق يملك مئات الملايين راتبا تقاعديا بعدة الاف من الدنانير في الشهر، وهذه الاموال يمكن رصدها في اغراض التنمية لصالح الوطن .