تحليل الرسالة الملكية لمدير الامن العام "الحلقة الثانية"
د. بشير الدعجة
26-01-2017 12:56 PM
تناولت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني الى مدير الامن العام اللواء احمد سرحان الفقيه على محور هام اخر الا وهو محور مراجعة الاستراتيجيات و الخطط الأمنية و تطويرها و ذلك بهدف وضع حد للأعتداء على القانون و الحفاظ على هيبة الدولة و مكافحة الجريمة بجميع اشكالها و الوقاية منها و على رأسها آفة المخدرات .
- جاءت هذه التوجيهات الملكية السامية بعد ان شهد الاردن في السنوات الاخيرة جرائم بشعة و غريبة عن مجتمعنا الاردني ..... ومعاناته من دخول انماط و اساليب جرمية متنوعة , اربكت بعض منها جهاز الامن العام و تشكل حولها رأي عام اردني سلبي و غاضب كانتشار المخدر الصناعي (الجوكر ) و كثرة جرائم القتل و الانتحار .
- و قد يعود ذلك الى التغير الكبير في الديموغرافية الاردنية وسرعة وتيرتها اضافة الى الظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطنين و تنامي ظاهرة البطالة بين الشباب .... مما ادى الى زيادة مضطربة في الجريمة و تغير اساليبها الجرمية ....الامر الذي يجب ان يرافقه تغير في الاستراتجيات و الخطط الامنية لمواجهة الجريمة بشتى انواعها و الحد من انتشارها و ابقائها ضمن الحدود المعقولة لها .
- لقد أطلعت على الخطة الاستراتيجية لمديرية الامن العام خلال الفترة الزمنية ( 2013 - 2016 ) .... واستوقفتني الاهداف الاستراتيجية الثمانية لمديرية الامن العام و هي :
١ .الحد من الجرائم وتعزیز الشعور بالأمان والسـلامة فـي المجتمـع وتفعیـل دور الشـركاء في تقدیم الخدمة الامنیة وفق المعاییر الدولیة واحترام حقوق الانسان.
٢ .الحد من انتشار المخدرات وفق اسـتراتیجیة تعتمـد ثلاثـة محـاور ( الوقـائي والعملیـاتي والعلاجي) لتجنیب المجتمع مخاطر هذه الافة .
٣ .المسـاهمة فـي تعزیـز السـلامة المروریـة بالتعـاون مـع الشـركاء وضـبط أمـن الطریـق بفعالیة وكفاءة عالیة.
٤ .رفع كفاءة الموارد البشـریة وتطویرهـا علـى كافـة المسـتویات لتصـبح قـوة محترفـة ذات مهارة عالیة.
٥ .زیادة كفاءة وفاعلیة العملیات الشرطیة والأمنیة.
٦ .ضــمان الاســتخدام الأمثــل للمــوارد فــي مدیریــة الأمــن العــام ورفــع مســتوى الجاهزیــة اللوجستیة .
٧ .تعزیـز اسـتخدام الـنهج الاسـتراتیجي فـي عملیـة اتخـاذ القـرار مـن خـلال متابعـة وتقیـیم الاداء المؤسسي.
٨ .تطویر الإعلام الأمني لنشر الوعي والثقافة الأمنیة لدى المواطنین وتعزیز دورهم
التشاركي في المحافظة على مقدرات ومكتسبات الوطن ترسیخا لمفهوم الشرطة
المجتمعیة.
- انها اهداف رائعة و حضارية للمسير قدما في جهاز الامن العام من حيث الحد من الجريمة بأصنافها المختلفة وكذلك ليضاهي أفضل أجهزة الأمن العام العالمية في كافة المجالات الامنية والانسانية ... ولنباهي به العالم - ان وصل لدرجة الاحتراف المهني – اضافة الى الارتقاء بالاداء الشرطي للتعامل مع أصعب المواقف الامنية تعقيدا وخطورة على أمن الوطن والمواطن .
- ان خطة مديرية الامن العام الاستراتيجية التي انبثقت عنها الاهداف الاستراتيجية الثمانية غير معروفة ...حيث بحثت عنها واجتهدت وراجعت ملف الاستراتيجية الأمنية لمديرية الأمن العام ... الا انني لم أجدها ... فقط وجدت الفترة الزمنية للاستراتيجية من (2013-2016) ولم يوضح ملف الاستراتيجية المنشور على الانترنت نوع الاستراتيجية الامنيه فهل هي على سبيل االمثال لاالحصر :-
( استراتيجية التوسيع او استراتيجية الانتشار او استراتيجية الانكماش او استراتيجية المحافظة على الوضع القائم ...الخ) أو غيرها من الاستراتيجيات .... ؟!!! .
- وبناء على ذلك اجريت اتصالا - قبل التحليل – مع الناطق الاعلامي للمديرية للاستفسار عن ذلك وتزويدي بنتائج الخطط الاستراتيجية وهل حققت اهدافها الا انه وللاسف اجاب بانه ليس لديه علم بذلك ومن ثم امتنع من الرد على مكالماتي ... !!!
- وعطفا على ما ذكرته سابقا عن الاهداف الاستراتيجية الموضوعة ... أتساءل:-
- هل حققت مديرية الامن العام أهدافها الاستراتيجية الموضوعة جميعها بالنسب المئوية المحددة مسبقا –ان وجدت- وخاصة ان الفترة الزمنية لهذه الاهداف انتهت بنهايه عام 2016.
- هل تم دراسة البيئة الداخلية لمديرية الامن العام بشكل علمي من حيث نقاط القوة والضعف وكذلك تحليل البيئة الخارجية من حيث الفرص المتاحة والتهديدات والمخاطر ... لان هذه العوامل مجتمعة هي التي تحدد نجاح وتحقيق الاهداف الاستراتيجية من عدمه .
- هل تم تحويل الخطة الاستراتيجية الى خطط تنفيذية (تشغيلية) – ان وجدت - مقسمة على مدار (4) سنوات وهي عمر الخطة الاستراتيجية ... وهل تم تقييمها سنويا وفق أصول التقييم المتبعة للتأكد من تحقيق الاهداف السنوية الموضوعة التي تهدف في النهاية الى تحقيق الهدف الاستراتيجي في نهاية فترة الخطة الاستراتيجية الامنية .
- هل مارست مديرية الامن العام الدور الرقابي الفعال على الخطط التنفيذية لتحقيق الاهداف الاستراتيجية المنبثقة عن الخطة الاستراتيجدية الامنية ...... وأقصد هنا الرقابة السابقة قبل بدء تطبيق الخطة وكذلك الرقابة المتزامنة (المتلازمة) اثناء تنفيذ الخطة والقيام بالاجراءات التصحيحية على اية انحرافات في الخطة اثناء تنفيذها ... وأخيرا هل قامت بالرقابة اللاحقة اي بعد تنفيذ الخطة وتقييمها لمعرفة الايجابيات وتعزيزها والتعرف على السلبيات لمعالجتها وتلافيها في اي خطة مماثلة مستقبلا .
- ما هي نتائج الخطط التشغيلية (التنفيذية) السنوية للسنوات الاربعة (2013-2016) وهل كانت تسير بخطى ثابتة وكما هو مرسوم لها لتحقيق الهدف الاستراتيجي ام انه تم وضع خطط تنفيذية (حبر على ورق) ولم يتم متابعتها وتقييمها في كل مرحلة من مراحل الخطة ...وكانت مؤشرات الاداء- ان تم تقيمها - تشير الى تحقيق الاهداف الاستراتيجية .
- هل بدأت مديرية الامن العام بتطبيق خطة استراتيجية جديدة للاعوام الخمسة القادمة ... باهداف استراتيجية جديدة وخطط تنفيذية جديدة ايضا ؟...... مع العلم انة لغاية الان لم تعلن مديرية الامن العام عن خطتها الاستراتيجية الجديدة بالرغم من انتهاء الخطة السابقة ...
- انني ادعو مدير الامن العام للواء الركن احمد الفقيه اذا اراد النجاح و تحقيق التوجيهات الملكية السامية .... ادعوه لمراجعة الخطة الاستراتيجية السابقة و الاجابة على الاستفسارات التي ذكرتها ..... فأذا حققت الاستراتيجية الامنية للاعوام (2013 - 2016) اهدافها كما و نوعا ..... عليه الانطلاق باستراتيجية امنية جديدة تبنى على ذلك ما تم انجازه و تحديد اهداف استراتيجية جديدة... و قبل ذلك نوع الاستراتيجية وطبيعتها ... مع عدم اغفال تحليل البيئة الداخلية من ( عوامل القوة و الضعف )..... وبيئتها الخارجية من ( فرص متاحة و مخاطر و تهديدات) تعيق تحقيق الاهداف الاستراتيجية .
- اما اذا لم يتم انجاز الاهداف الاستراتيجية السابقة ولم يتم تقييم الخطة برمتها من الالف الى الياء ... فينطبق عليها المثل القائل : ( مثل الذي يحرث بالبحر) ..... فعلى مدير الامن العام اعادة النظر في كيفية صياغة و اعداد الخطط الاستراتيجية الامنية و ما هو الخلل و الانحراف والاسباب التي ادت الى عدم تنفيذها بالشكل الذي خططت له .
- كما ادعو الباشا الفقيه التركيز على الثقافة التنظيمية لكافة منسوبي الامن العام وهضمهم جيدا لهذه الثقافة التنظيمية .... لانه عند تنفيذ الخطط الاستراتيجية لكل وحدة من الوحدات الامن العام اذا لم يعرف كل فرد مشارك بالخطة ما هو المطلوب منه سيؤدي ذلك الى الخلل في التنفيذ ..... و بالتالي الى فشل في تحقيق الاهداف الاستراتيجية .
- ادعو الباشا ايضا ان يتأكد ان جميع العاملين في مديرية الامن العام لديهم الالمام التام بأهداف المديرية الاستراتيجية وان يطبقوها على ارض الواقع وليس براويز خلابة وديكورات تجميلية تزين حيطان وممرات المديرية والوحدات التابعة لها ... لان هنالك ضعف شديد لدى معظم من ينفذون الخطط الاستراتيجية وما ينبثق عنها من خطط تنفيذية و برامج و انشطة .... و أتجرأ و اقول ليس لديهم علم باهدافهم الاستراتيجية او بلغة اخرى ان الكثير منهم لا يعرفوا ما هي اهدافهم الاستراتيجية ... فيجب على الجميع هظم الاهداف الاستراتيجية واليات تحقيق ذلك من برامج وانشطة قبل البدء بتنفيذ الخطة .
- كما اذكر اللواء الركن الفقيه عند وضع الاهداف الاستراتيجية الجديدة يجب أن تكون واقعية يمكن تحقيقها وليست مطاطة... ايضا تتصف بالوضوح والبساطة حتى يفهمها ويهضمها جميع العاملين في مديرية الامن العام... وان ترتبط بزمن محدد لتحقيقها وليست فضفاضة... لان في حالة عدم تحقيقها فان ذلك يدل على خلل في الاهداف او عدم الدراسة والتحليل الصحيح للبيئتين الداخلية والخارجية لمديرية الامن العام .
- الباشا مطالب باعداد خطة استراتيجية امنية عصرية تحد من الجريمة اولا والسير قدما بالجهاز ليضاهي افضل اجهزة الامن العام في العالم ثانيا... وذلك تنفيذا للروئ الملكية السامية... وهذا يتطلب استحداث دائرة جديدة مهمتها التخطيط الاستراتيجي للامن العام واعداد الخطط الاسترتيجية طويلة الامد وما ينبثق عنها من خطط تكتيكية وتشغيلية متوسطة وقصيرة الاجل ... والعمل على تقييمها اولا باول لمعرفة الانحرافات والخلل والقيام بالمعالجة والاجراءات التصحيحية اللازمة... هذا اذا اراد الباشا النجاح في مسعاه لاعداد خطة استراتيجية امنية حقيقية قابلة للتنفيذ ... اما غير ذلك فستبقى الخطة حبر على ورق وملف تجميلي نتباهى به ونستعرضه امام الضيوف والزائرين...دون تطبيق حقيقي لها .
- اجزم - وانا على يقين - ان الباشا لن يفوته ذلك... كيف لا وهو الرجل والقائد الذي اختاره جلالة الملك لقيادة جهاز الامن العام في فترة امنية صعبة جدا ...وتسونامي اغرق معظم دول الاقليم...اضف الى ذلك انه تربى في المدرسة العسكرية الهاشمية ( الجيش العربي ) وله من الخبرات العسكرية والامنية والعلمية والثقافة الواسعة تجعل منه قائدا منقذا لجهاز الامن العام بعد التراجع في اداء الجهاز في السنوات الاخيرة لغياب التخطيط المنظم والتقييم والمتابعة والمساءلة في تحقيق الاهدف الاستراتيجية لجهاز الامن العام .
- ننتظر من الباشا الكثير الكثير لاسباب عدة ابرزها انه اختيار سيد البلاد وما جاء هذا الاختيار عشوائيا وغير مدروس ...بل جاء لقناعة جلالة الملك بهذا القائد ومعرفته الجيدة به وبقدرته على احداث الفارق والتغيير في جهاز الامن العام ... واعادته الى السكة الصحيحة كما يتمناها ويريدها المواطن وقائد الوطن ... كذلك ان جميع زملائه مدراء الامن السابقين القادمين من المدرسة العسكرية الهاشمية ( الجيش العربي ) نجحوا نجاحا متفاوتا في قيادة الجهاز واضافوا اضافات مميزة وتركوا بصمات واضحة كلا حسب خبراته واجتهاداته ... نراهن وبكل قوة على نجاح باهر سيحققه الباشا الفقيه وفترة ذهبية سيشعر بها المواطن وكذلك ابناء الجهاز.... لننتظر انا من المنتظرين.
العقيد الدكتور بشير الدعجة – الناطق الاعلامي السابق للامن العام