"لسانك حصانك إن صنته صانك" ، هكذا تعلمانها في مدارسنا ، وأن "حصائد الألسن" هي من "تكبّ" الناس على وجوههم ، لذا فإن بعض الكلام ربما يقول لصاحبه "دعني" ، فلماذا لم يحسب "سعادته" أن كلامه محسوب عليه وهو يكيل لأشقائنا السب والشتم ، ألم يدرك مسؤولية تصريحاته ، وأن بعض الكلام يديننا كأردنيين لأن "ذاك" النائب الأصل أنه يمثل ناخبيه في مجلس يدافع في الأصل عن حقوق الأردنيين ، ولكن تكتشف أن الحصافة غابت عنه بعيدا عن كل حسابات المصالح المشتركة وأخلاق الأشقاء وأنه لم يأخذ بخاطر الجيرة أيضا ، والأشد أنه يهدد أرزاق الأردنيين الذين لم تقصر معهم تلك الدول فمنحتهم العمل والاستقرار وأمنّت لهم سبل الحياة أمام ظروف اقتصادية واجهت الأردنيين من قلّة وفقر أنتجته سياسات حكومية نراه اليوم يدافع عنها "سعادته" ويبرر رفع الأسعار ويبكي على ارتفاع المديونية .
الأردن عروبي الهوى منذ التأسيس ، فأول رئيس وزراء للأردن كان لبنانيا درزيا (رشيد طليع ) وثالث رئيس وزراء أيضا كان سوريا ( على رضا الركابي ) ، وأول قاضي للقضاة كان موريتانيا ( محمد الخضر الشنقيطي ) ، وأول رئيس للديوان وللعدلية كان حجازيا (أحمد السقاف) ، من تلك الأسماء يظهر أن الأردن لم يقف عند الحدود ومنذ تأسيسه وللآن بعد سبعين عاما ، كان مع أشقائه ، فتح قلبه وحضنه لهم ، وتشارك معهم رغيف خبزه وآمن روعتهم وخوفهم ، ولم يبخل أيضا على كل من لجأ إليه طالبا خبرته أو مشاورته دونما انتظار لأجر أو شكر ...
لم يقصر الأشقاء يوما مع الأردن ، فما يزال الأردنيون يستذكرون اللواء السعودي الذي وصل معان عام ١٩٦٧ مساندة لحربنا مع إسرائيل والذي بقي على التراب الأردني حتى عام ١٩٧٤ بقيادة الفريق محمد بن عامر الشهري ، كبقية الدول العربية التي وقفت معنا ، وعلى مدار السنوات الصعبة التي مرت على البلاد كان أشقاؤنا السعوديون أول من يفزع لنا سندا وظهيرا ، ولا ننسى وديعتهم المالية التي وضعت في البنك المركزي الأردني ليلة وفاة الملك الحسين بن طلال ، مثلما كانوا أول من قدموا حصتهم من المنحة الخليجية ، وكذلك إخوتنا من الإمارات العربية لم يقصروا يوما معنا ، وكذلك البحرين وقطر والعراق والكويت وعُمان، فلماذا الآن نتنكر ولماذا الآن ننسى من قبل تصريح أخرق كان رهينة جلسة بلا مسؤولية ، والأردنيون بطبعهم لا يشتمون ولا يسبّون وإنما يشكرون.
أبناؤنا في دول الخليج يزيدون عن ستمائة ألف ، تعبوا وكدوا وأخلصوا في عملهم ، وبادلوا إخوتهم من العرب الحب بالحب والولاء بالولاء ، وكسبوا احترام أرباب العمل من سمعة الأردني الذي يتقن عمله مرفوع الرأس والكرامة. هؤلاء كلهم لا يمثلهم تصريح غير مسؤول، ولا يمثلهم كلام بلا معنى، ولا يشرفهم شخص يزرع كرسيه فوق مآسي الفقراء وصيحات المساكين.
سيبقى الأردن ظهيرا لأشقائه، وسدّا منيعا كما كان دوما، يبذل دمه وعرقه في سبيل رفعتهم، وسيبقى الأردنيون يفتحون صدورهم وقلوبهم مضافات لكل عربي، وسيبقى وطنا صابرا مصابرا مرابطا، فالألم واحد والأمل واحد، وأن ما يجمعنا من لسان عربي وقرآن عظيم وتاريخ مشترك أهم بكثير من كلام عابر من شخص عابر.