لقد آلمنا نداء واستغاثة شيخنا الجليل الدكتور احمد هليل مذكراً الاشقاء العرب بواجبهم تجاه تحمل الاردن الكثير الكثير من تبعات النكبات العربية، ولكن ما اقلقنا أكثر فقدان وزير ماليتنا للبوصلة عندما يقول "من وين اجيب 450 مليون"؛
وكأننا في سفينة تائها تتقاذفها الأمواج في البحار وركابها بين الهلع والاستغاثة، مما حدا الى إيجاد فئة من المنظرين في الاقتصاد والمتحدثين بفلسفته؛ فنقرأ مقالات بعناوين براقة تفوح منها رائحة الشخصنة وتصفية الحسابات الشخصية والمزاودة او لكسب الراي العام الاردني، متجاهلين الاهم للمحافظة على اركان الوطن وديمومته، فكم كنت تواقاً لأجد بين سطور تلك المقالات افكارا خلاقة وبرامج من شأنها التبني لمشاهدة النور ولتكون متكأً لإعادة بناء موارد الدولة بعيداً عن الترمي بأحضان الاخرين.
والآن لم يتبق امامنا ومهما كانت المرارة الا الاعتراف بالحقيقة وخطورة الموقف، فنحن على مفترق طرق ودخلنا بنفق مظلم واعترانا التشاؤم الحقيقي، ولتكن نقطة البداية للإصلاح المستدام الملموس بنتائج ودلالات وارقام نشاهدها، فمشكلة الاردن ليست بقلة الموارد وانما في ادارة الموارد، والمصيبة انه ليس جهلا من القائمين بالإدارة وانما تجاهل وعدم الحس بالمسؤولية وكأن الوطن ليس لنا وموارده مزرعة لأبقارهم متعذرين بضمير مستتر والذي طالما تعودنا على سماعه "أوامر من فوق" ونحن نعرف بان من هو فوق يصدح بأعلى صوته وينادي الاصلاح ثم الاصلاح تاركاً لنا خيار العمل، ولكن لا مستجيب؛
وكنت اتمنى من حكوماتنا المتتالية ان تجلد الذات وتجري اصلاحا وضبطا حقيقيين للنفقات والهدر غير المبرر بعيداً عن التخبط والحيرة بخطوط حمراء وسوداء وصفراء "وكأنها الوان قوس قزح" بالإضافة على العمل لإعادة بناء موارد الدولة الاردنية لتعزيز مبدأ الاعتماد على الذات ضمن منظومة موارد منسجمة مع الميزة التنافسية لمقدرات الوطن، الا أن كافة اصلاحات الحكومات كانت مخيبة للآمال وأتت بحلول آنية توجهاتها بالمجمل جيب المواطن الذي لاحول له ولا قوة الا بالله، واستمرت حكوماتنا بمسيرة تجمل ارقامها وترحيل وتسويف للمشكلات دون اكتراث للنتائج والمدلولات المستقبلية حتى وصلنا الى مانحن عليه.
لذلك لا اريد التنظير والإطالة، فنحن بحاجة لعمل دؤوب وتفكير ابتكاري يخرجنا من عنق الزجاجة؛ آخذين بعين الاعتبار أن كافة قنوات تحفيز وتيرة الاقتصاد المتعارف عليها عالمياً معطلة في الاردن بفعل التصرفات السلبية غير المسؤولة لمتخذي القرارات في الحكومات المتعاقبة، فالموازنة العامة مقننة جداً ولا تحتوي على موارد من شأنها تنشيط الاقتصاد وانعاشه واقتصارها على نفقات جارية ونفقات رأسمالية غير منتجة، واما ادوات الاستثمار فهي غير محفزة وطاردة للاستثمار بسبب البيروقراطية وتغول الحكومات والمجتمع على الاستثمار والمستثمرين، اما الجهاز المصرفي فانه يعاني من ضعف المقدرة الاقراضية بسبب تحجيم الحكومات المتتالة واقتراضها اكثر من 16 مليار دينار.
لذا نتوجه بهذه الكلمات الى كل الأردنيين واصحاب العقول الحكيمة لطرح افكار بناءة تستحق تبنيها للمساهمة في بناء خارطة طريق، آخذين بعين الاعتبار أن الوضع الاستثماري على حافة الانهيار ومخاطر المديونية تهدد أمن واستقرار الاقتصاد ونهج موازناتنا يخلو من أي برامج أو رسالة اقتصادية تعمل على الحد من جماح العجز المالي وانفلات جماح الدين العام وتضخم العجز التجاري وتواضع معدلات النمو الاقتصادي وتنامي معدلات الفقر والبطالة والتضخم وتآكل الاجور، فنحن نبحث معاً عن حلول تضمن الاستقرار والمحافظة على الوطن وكرامة شعبه وشمولها بإصلاحات لامجال لتسويفها وترحيلها أو تعليق الفشل على شماعة الاخرين.