منذ مطلع عام 2011 وفي ذروة ذلك الاحتدام الذي تفاءل به البعض وتصوروا انه قيامة قومية طال انتظارها، وسيكون للسنة العربية رأس جديد في تقاويم غير مسبوقة .
منذ ذلك الوقت ومتوالية التدمير تواصل مفاعيلها، فالانتقال تحول الى انتقام، والربيع تساقطت اوراقه واصبح المشهد شبيها بلوحة فان غوخ الشهيرة عن حقل الحنطة والغربان، واذا صح ما قاله اجدادنا وهو ان البيدر يفتضح الحقل، لأن حصاد الهشيم ليس كحصاد القمح، فإن ستة اعوام تكفي لاحصاء الخسائر والغنائم معا، والخسائر حتى الان عربية بامتياز، اما الغنائم فقد تقاسمها المحتلون والمتطرفون ومن يحاولون الشد العكسي لكل العربات بحيث تعود الى ما قبل قرون !
وما كان محظورا الاقتراب منه قبل بضعة اعوام اصبح الان ملقى على الرصيف، ومن اصابهم الحماس المنفعل بالعمى تحولوا الى زرقاء يمامة ، وها هم يزايدون على من وصفوهم بالتخاذل والتحالف مع نظم سياسية مخلوعة !
ولا يبدو في عواصم العرب الان وفي الذكرى السادسة للحراكات العاصفة ما يوحي بالاحتفال، لأن الرياح هبت على غير ما تشتهي قوارب الورق .
ان اخطر ما يمكن لفائض الكبت ان يفرزه هو ما يسمى في علم النفس التفكير الرغائبي بحيث لا يرى الانسان المصاب بهذا الفيروس غير ما يريد رؤيته، ولا يسمع من الاصوات كلها غير صدى صوته !
ولا ادري من يعتذر لمن بعد ان اسدل الستار على الحفلة التنكرية وعاد القرد قردا والغزال غزالا، بعد ان تساقطت الاقنعة تباعا !
وفي مجتمعات عانت قرونا من تراكم الاستبداد والاستعباد كان لا بد ان تظهر فئة من المتطفلين على الثقافات والثورات ترتدي لكل حالة لبوسها، وتقفز كالفئران من السفينة قبيل الغرق، فهي مع الله والقيصر معا ومع الملاك والشيطان، وسرعان ما تقفز برشاقة سعدان من شجرة الى اخرى .
يسارية في الصباح وليبرالية في الظهيرة ويمينية في المساء تماما كذلك السكين الذي طلب منه القائد تقسيم السبايا بعد الانتصار وتلقى لكمة من سيده ليكون عادلا فقال : انهن جميعا لسيدي فهو الاولى بثمرة الانتصار !!
الدستور